اخبارمقالات الرأي

الخطوة القادمة وتداعيات معركة القصر.. (رسالة ظافر قائد تكساس)

متابعات-الحرية نيوز

تحرير القصر هو نقطة تحول كبيرة ومفصلية في مسار معركة الكرامة فالسيطرة الكاملة على القصر ومحيطه تعني تطهير المقرن وتوتي بالكامل وتأمين ونظافة وسط الخرطوم وربطه بالقيادة العامة وجنوبها ومطار الخرطوم وحي المطار، وتوسيع دائرة التأمين جنوباً عبر شارع الستين، وشرقاً وشمالاً لنظافة الرياض والمعمورة وجامعة افريقيا والطائف وبعض مناطق سوبا والإنفتاح في محيط المنشية وحتى تخوم شرق النيل،

 

وهذا العمل سيخفف أعباء الضغط العملياتي على غرفة القيادة والسيطرة الرئيسية، وبالتالي التفرغ لتنفيذ باقي مراحل وخطط العمليات في المسارح والمحاور الأخرى، حيث أن حرب الكرامة هي في حقيقة الأمر سلسلة من المعارك، وكل معركة تمهد وتقود إلى الأخرى، فكل المعارك مرتبطة بعضها ببعض بأهداف تكتيكية وغايات إستراتجية، فنحن نخوض حرباً بالغة التعقيد، وهي معركة جيشٌ يُقاتل بمشروعية، ضد مليشيا مسلحة رهينة الخارج مدعومة لتقاتل بالوكالة، تساندها معارضة تستميت لتبقى وتطمح لتغيير النظام بالقوة عبر المليشيا، ومعارضة ثانية تضم أعداء طائفيون وأيدولجيون وجهويون وعملاء سياسيون،

 

 

ومن خلفهم دول تضع مصالحها كهدف تسعى لتحقيقه من خلال السيطرة او اقتسام الكعكة السودانية، لذلك أقول دائماً انها معركة المصالح والأطماع الدولية والاقليمية والتقلبات السياسية والصراعات الأيدلوجية والطائفية والمذهبية، وأصابع مخابرات بعض الدول التي تتحكم في تحريك العملاء والطابور الخامس، ولذلك عمدت القيادة العسكرية للجيش إلى وضع خطة خاصة بهذه الحرب، ولهذا نرى القوات المسلحة تخوض معارك متزامنة على عدة مسارح ومحاور قريبة وبعيدة،

 

فهنا تدور معركة الخرطوم وجنوبها، وتدفع بقوات اخرى إلى القصر، وإلى ضواحي الباقير وتخوم السديرة وقرية حبيبة، وإلى محور جبل اولياء، وغرب امدرمان والصالحة، وفي نفس الوقت تطارد جيوب المليشيا الهاربة في بعض مناطق الوسط، وهناك على المسارح البعيدة تعمل القوات المشتركة وتخوض أشرس المعارك في الصحراء في المالحة والفاشر، وكذلك في كردفان، فكل المحاور مشتعلة وتسخين الجبهات هذا أربك المليشيا التي تم إستنزاف قوتها وعتادها بفعل خبرة وكفاءة الجيش السوداني وتمرسه في الحروب.

 

 

الان وعلى الأرض باتت قوات الجيش السوداني والقوات الساندة تسيطر تماماً على الخرطوم بما في ذلك المناطق التي تتواجد بها بعض جيوب المليشيا التي هربت من مواجهة الجيش وهذه مقدور عليها، ومحاصرة ومسيطر عليها تماماً وهي مسألة وقت للقضاء عليها وإزالة تهديدها واستعادة السيطرة على كل الخرطوم وفي هذا الإطار جاء تحرك اللواء الركن ظافر قائد المهندسين وهو يرسل رسالة مفادها أن الطريق سالك ومؤمن بين امدرمان والخرطوم كما هو بين بحري والخرطوم، والحقيقة أن الجيش قد استطاع تطوير تكتيكاته ولديه خطة جاهزة لإعلان الخرطوم خالية من التمرد.

 

من الطبيعي أنه وعقب الانتصارات، وبعد انجلاء غبار المعارك ونقعها، يفرح المنتصرون وتعم حلقات الأفراح والتبريكات، وتعلو زغاريد الأمهات والأخوات، والتهليل والتكبير، وينشغل القادة والمسؤلون بتفقد ساحة المعركة والمقاتلين، ومن المفارقات غير المنظورة لعامة الناس، أنه وفي الوقت الذي يتم تبادل التبريكات بما تحقق من إنجازات، ينشغل القادة في كم من الأولويات والمتطلبات، تكاد تسرق منهم فرحة النصر الذي أنجز،

 

 

والهدف الذي تحقق، لذلك يقال أنه في الوقت الذي يفرح فيه المواطنون بالنصر الذي تحقق، (يبكي) القادة و(ينتحبون)، لعلمهم أن الإجراءات والخطط والتدابير التي ساقت لهم هذا النصر، قد حُرقت وكُشف سرها، لذلك لا يمكن أن تستخدم في المعركة القادمة، وأن عليهم أن يجلسوا ويجترحوا من الخطط والتدابير القتالية والإدارية تحضيراً للقادم من الجولات، والمتوقع من النزالات، مايحقق لهم النصر في المعركة القادمة أو الخطوة الجديدة، التي يبدأ الاستعداد لها مع انقشاع غبار التي انقضت تواً، وانتهت فعلاً،

 

ولذلك يعكف القادة على إعادة التنظيم وترميم الجهاز الدفاعي ومراجعة مدى تحقق الهدف أو الأهداف التي تم التخطيط لها، ومراجعة الخطة التي خيضت المعركة بناء عليها، وتحديد نقاط القوة التي ساعدت على انجاز المهمة وتحقيق الهدف، والإنتباه إلى شكل التهديد المستقبلي والمخاطر الناتجة عنه أو ما يُعرف بمصطلح (تطور التهديد) بناء على المعركة التي انتهت،

 

 

ويلي ذلك مراجعة الهياكل والأطر القيادية والقتالية الحالية وإجراء التعديلات المطلوبة عليها والتي تناسب تطور التهديد الجديد والمخاطر الناتجة عنه وتساعد في تنفيذ المرحلة الجديدة من الخطة الموضوعة سلفاً، مع وضع خطط وإجراءات جديدة لتطوير القدرات المطلوبة للتصدي للتهديد المتصور مستقبلاً، وتطوير قدرات ووسائل القيادة والسيطرة بناء على الدروس المستفادة من المعركة الأخيرة، فعملية‭ ‬التعلم‭ ‬والتحليل‭ ‬واستخلاص‭ ‬المعلومات‭ ‬من‭ ‬التجارب‭ ‬السابقة‭ ‬ليست‭ ‬جديدة‭ ‬على‭

الجيش السوداني، فهو يعمل بإستمرار في التعلم والتحسين بإستخدام ما نجح والبحث عن بدائل للفشل، سواء من خلال العمل والتخطيط المنهجي أو التدريب أو من خلال التفكير الحدسي، وهذا ما يميز الجيش السوداني ويراكم خبراته القتالية، ففي‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان‭ ‬تسلط‭ ‬الدروس‭ ‬المستفادة‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬نقاط‭ ‬القوة‭ ‬أو‭ ‬الضعف‭ ‬في‭ ‬الإعداد‭ ‬والتصميم‭ ‬والتنفيذ، وتحييد وتجنيب العوامل التي ‬تؤثر‭ ‬على‭ ‬الأداء‭ ‬والنتيجة، وبشرح بسيط فإن مفهوم الدروس المستفادة هو التعلم من الماضي والتجارب المستخلصة من الأنشطة السابقة، التي يجب أخذها في الإعتبار لتجويد الأداء في الإجراءات والسلوكيات والأعمال المستقبلية والتحسينات في السياق العسكري، بما يعني المعرفة‭ ‬أو‭ ‬الفهم‭ ‬المكتسب‭ ‬من‭ ‬التجربة.

 

الجدير بالذكر إن تقييم وتحلِّيل واقع أي ميدانٍ عسكري قبل الوصول إلى الخطوات الأخيرة قد يضر بالمعارك، خاصة وان معركة الكرامة قد اصبحت مادة اعلامية وباتت تحتل إفتتاحيات الصحف ومقدمات نشرات الأخبار لأهميتها، مما جعلها مادةً جاذبة للإعلام، ولكن هناك من يحلل المعركة محاولاً تجيير النتائج بحسب الأهداف الإعلامية والسياسية التي يتبع لها، لنجد أن كل أعلام المليشيا الكذوب يُجاهر بتصديه للجيش ويلمح بالإنتصار وكأن المعركة قد حُسمت لصالحه، لكن الحقائق دائماً والتي يُسلِّط عليها الضوء الخبراء المعنيون بالميدان والمهتمون بفهم حقيقة الواقع، والمتابعون لسير المعركة على أرض الواقع يعلمون أن الجيش يضع اللمسات الأخيرة لإعلان انتصاره في معركة الخرطوم، ولكن هناك أشياء لسريتها وتأثيرها على مجريات العمليات لا يتم عادة الحديث عنها، بل تُترك لوقتها خاصة فيما يخرج الى العلن بهدف خدمة المسار الإعلامي والسياسي والنتيجة العسكرية لهذه المعركة التي تتعدى إطار الحرب الإقليمية لتصبح معركة دولية بإمتياز،

 

 

وهناك أشياء ظاهرة لا يضير نشرها بل تسهم معنوياً في إضعاف العدو ومن أجل هذا يعمل الجيش الان على حصر قوات المليشيا في كماشة عملاقة تضيق عليهم يوما بعد يوم، مع تسخين جبهة غرب امدرمان والتقدم لمناطق حاكمة لقطع طريق الهروب عبر منفذ جبل أولياء وقفل بوابة الخروج من جهة طريق الصادرات، وسيؤدي ذلك إلى إحكام الحصار على الجيوب المحاصرة في العاصمة وخنقها لإجبار من فيها على الاستسلام تحت وطأة الحصار وقطع امدادها، وفي هذه المرحلة يجب على قيادتنا العسكرية والسياسية الإنتباه من خطورة التدخلات الاقليمية والدولية التي قد تكون في شكل وساطات أو ضغوطات، مع تشديد الإجراءات الأمنية ومجابهة المتعاونين والطابور الخامس خاصة في مرافق ومؤسسات الدولة وفي الأحياء،

 

 

مع رصد لكل فعاليات بعض منظمات المجتمع المدني والكيانات المريبة التي بدأت تظهر وتمارس أنشطتها تحت واجهات التكايا وتقديم الغذاء والدواء في محاولات مكشوفة لإستقطاب المواطنين والشارع السوداني لأغراض سياسية خاصة بجهات معلومة ومعروف أهدافها تستغل إنشغال البلاد بالحرب، وعلى أي حال تقوم الحرب بطبيعتها على أسس معتمدة في طريقة القتال، دفاعاً او هجوماً في المدن والأماكن المبنية، أو الأماكن المفتوحة أو الصحارى والجبال،

 

وهذه الأنماط من الحروب تتداخل مع خصائص وعوامل أخرى في لتسهم في تشكيل ما يسمى بالعقيدة القتالية العسكرية بشكل عام، واستطيع القول ان الجيش السوداني نجح وبشكل مذهل في استنباط أسس جديدة وتكتيكات مرحلية تؤطر لفهم جديد حول العقيدة العسكرية ونظريات القتال في حرب المدن والمناطق المبنية، وحرب العصابات، وعمليات الإلتفاف والتخطي والتقدم، والحرب التقليدية، بما يؤهله لكسب معركة الكرامة في الخرطوم والإنطلاق منها إلى كردفان ودارفور.

 

عميد م/ ابراهيم عقيل مادبو

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى