د ناهد قرناص: الازمة ..مكانها وين

0

جارتي العزيزة تعاني هذه الأيام ..سيد اللبن اخرجها من دائرة التعامل بحجة انهم ذات يوم لم يفتحوا له الباب وتركوه قائما لمدة طويلة امام البيت ..فكان ان اصدر عليها قرارا بالحصار الاقتصادي ولم تترك هي واسطة لارجاعها لدائرة التعامل مرة اخرى الا ولجأت اليها ..وقد كنت انا احدى تلك الواسطات ..ضحكت طويلا وحكيت لها قصتي مع سليمان سيد اللبن في مسكني القديم بالضفة الاخرى للنيل..و كنت قد كتبت مقالا مطولا اشكو بثي وحزني للقراء جراء العقوبة السليمانية التي فرضها علي لانني اخبرته تعجبي من تحمل الألبان للحرارة العالية دون ان يحدث لها تغيير ..وسألته برفق ان كان يضيف لها بعض المضادات الحيوية ..وكانت تلكم القاضية ..فقد رفض تماما التعامل معي واطلق علي اشاعة ان (عيني حارة ) مما ترتب عليه (غيرالحصار الاقتصادي) عزلا اجتماعيا اقصيت نتيجته عن لمة الجبنة وونسة نسوان الحلة …تلك ايام خلت الله لا عادها ..
سيد اللبن ..ملك غير متوج في كل الاحياء …لكل حلة او شارع سيد لبن مختص ..تجدهم كأسياد لبن لا ينازعون بعضهم البعض ..ولا يتدخل احد ضمن حدود اخيه الجغرافية …لكأنهم جلسوا في اجتماع مغلق واقتسموا المدينة فيما بينهم بالتراضي ..وحق لهم ذلك … عندما قدمنا الى الحي الجديد كان لزاما علينا انتظار فترة زمنية لكي يتم ادراجنا في قائمة المستفيدين من الخدمات اللبنية ..ولابد من الالتزام بالتعليمات والمواعيد والا وجدت نفسك خارج القائمة مذموما مدحورا كجارتي العزيزة ..قلت لها ممازحة ان سيد اللبن ليس فقط (يخاصم يوم ويرجع يوم ويعذبنا في ريدو) ..انما ايضا (يتحدانا يوم يزعل ..تقول أقدارنا في ايدو)
اعتقد (واتحمل مسؤولية هذا الاعتقاد كاملة غير منقوصة ) ان الازمة في بلادي سببها الرئيس ان الخدمات الاساسية بيد أفراد ..اعطونا او منعونا ..لا احد يسألهم ..عادي يعني تضع رجلك في الحافلة ..يلتفت اليك السائق ليقول لك (ما ماشي يا اخينا )..كل ما تفعله انك تنزل بهدوء لتبحث عن صاحب حافلة شغالة ..تمشي مسافة طويلة الى المخبز ..تجده قد باع كل الخبز لصاحب مناسبة كان قد اتفق معه بليل..تحاول ان تدلي برأيك في كيفية حفظ اللبن ..اذا بحصار شامل يضرب حولك ..وغير ذلك من الامثلة التي لا حصر لها ..المحصلة ان اطلاق يد الخاص في حياتنا جعلتنا رهائن عند بعضهم ..ولله الامر من قبل ومن بعد.
ها قد اظلنا زمان الكورورنا ..فاين ستذهب كل البان شرق النيل على سبيل المثال ؟ وقد كان اصحابها يقطعون الجسور والكباري للوصول الى زبائنهم ؟ فالضرر في هذه الحالة للجانبين ..فلا هم باعوا ولا نحن وصلتنا الخدمات ….هل يمكن شراؤها منهم وتوزيعها بواسطة جهة معينة ؟ تفيد وتستفيد ؟ زمان كانت للحكومة شركات للمواصلات ..بصاتها تجوب العاصمة ..وكانت هناك شركات للألبان تاتيك باللبن في زجاجات نظيفة حتى باب المنزل ..و(الزمن كان مبتسم ..والليالي جميلة حالمة ) ..ما الذي يمنع من قيام شركة للالبان تطرح اسهمها للاكتتاب ويمكن لأي سوداني شراء اسهم بها كل حسب مقدرته ؟..شركة مساهمة عامة.. الحكومة لها نصيب وبقية الاسهم يتم طرحها للجمهور ؟ الامر ينطبق على كل الخدمات وليست الالبان وحدها ؟ لماذا تلجأ الحكومة للمستثمرين الأجانب ليشاركوها في استثمارات المرافق الحيوية ..ويمكنها ان تكون شريكة (المواطن محمد احمد) صاحب الجلد والرأس ؟ صحيح ما الذي يمنع ؟
(اها ..ما قلتي لي اعمل شنو في قصة اللبن دي ؟ ) ..اعادتني جارتي الى الواقع ..يبدو ان فكري قد سرح بعيدا و(قزازة السمن) لم تراوح مكانها ..اما اللبن ..فقد (ابو لي بيهو يا اللبن ) 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.