مأساة النزوح في السودان: وجوه الحرب التي لا تُنسى

متابعات-الحرية نيوز-لم يكن الجثمان في الصورة مجرد جسد هامد، بل شهادة على حرب التهمت كل شيء، الأخضر واليابس، وألقت بظلالها القاتمة على أرواح بريئة لم تعرف من الحياة سوى الخوف والتعب. طفلة في الثانية عشرة من عمرها، قضت سبعة أيام في النزوح مع أسرتها، لكنها لم تصل إلى بر الأمان. رحلت في منتصف الطريق، وسط الألم والجوع والهلع، وحتى بعد وفاتها، لم تجد من يدفنها في البداية.
تخيل أن تفقد القدرة حتى على دفن أحبّتك؟ أن يصبح طلبك الوحيد “هل يمكنك إيصالنا إلى المقابر؟” كما قال والد الطفلة للمذيع سوار الدهب، الذي، رغم اعتياده على نقل معاناة الناس، لم يستطع أن يحبس دموعه هذه المرة.
في السودان، يموت الناس من أجل قطرة ماء. يشربون من مياه المستنقعات، فيفقدون حياتهم. يسيرون عشرة أو عشرين يومًا على أقدامهم، تائهين في الصحاري والغابات، بلا مأوى أو وجهة واضحة.
يروي أحد الناجين قصة أم وحيدة كانت تستجدي الرحمة: “هذا ولدي الوحيد، لا تحرموني منه.” لكن قسوة الحرب لم تترك مجالًا للإنسانية. قتلوه أمامها بكل وحشية، ثم قالوا لها ببرود: “ريحناك منه، يا حاجة.” ومنذ ذلك الحين، لا أحد يعلم مصيرها.
أما أخرى، فكانت من قبل قوية، لم تترك صلاتها، وكانت سجادة الصلاة والإبريق لا يفارقانها، لكن النزوح أرهقها حتى انهارت، وأصبحت طريحة الفراش. ورغم كل شيء، لا تزال تحمد الله وتشكره.
يختصر أحد الناجين المشهد بعبارة موجعة: “إبليس، لعنه الله، لم يفعل ما فعله البشر هنا.”
هذه هي الحرب في السودان… إن لم تعشها، فصورها وحدها تكفي لتدمع عينيك، وإن عشتها، فالله وحده يعلم كيف سيكون وجعها.
(يوسف عمارة ..بتصرف)