الصيت ولا الغنى! ..كيف يستخدم الدعم السريع الدعاية الحربية للتضليل؟

عبد المحمود نور الدائم
شهدت مدينة مروي في الولاية الشمالية بالسودان تصعيدًا عسكريًا جديدًا من قبل مليشيا الدعم السريع، حيث شنت هجمات بواسطة اسراب من الطائرات المسيّرة الانتحارية استهدفت محطات الكهرباء في مدينة مروي ودنقلا ومطار مروي. وعلى الرغم من أن هذا الهجوم لم يكن الأول من نوعه، فإن الحملة الإعلامية الضخمة التي أطلقتها المليشيا لمحاولة تصويره كنصر عسكري كاسح، أثارت العديد من التساؤلات حول الأهداف الحقيقية لهذه العمليات ومدى فاعليتها عسكريًا.
هجمات الدعم السريع بين الواقع والدعاية
ادعت مليشيا الدعم السريع أنها نجحت في تدمير طائرة مقاتلة من طراز ميغ تتبع للجيش السوداني في مروي، واستخدمت مسيرات متطورة لتنفيذ ضربات دقيقة حسب دعايتها، إلا أن الواقع يشير إلى أن الهجوم استهدف منشآت خدمية مدنية، أبرزها محطة تحويل الكهرباء في مدينة دنقلا، مما أدى إلى أضرار كبيرة في المحطة وانقطاع التيار الكهربائي عن عدد من مدن الولاية الشمالية. ورغم محاولات المليشيا الترويج لهذا الهجوم على أنه “ضربة عسكرية نوعية”، إلا أن استهداف البنية التحتية المدنية يشير إلى استراتيجية تهدف إلى شلّ الخدمات الأساسية وزعزعة الاستقرار، والتضييق على المواطنين وافشال الموسم الزراعي أكثر من كونها خطوة عسكرية حاسمة في النزاع.

الدعم الخارجي واستخدام الطائرات المسيّرة الاستراتيجية
ليس سرًا أن بعض الدول الداعمة لمليشيا الدعم السريع تمنحها ميزانية مفتوحة من الأسلحة والعتاد العسكري المتطور وقد قامت بتزويدها بطائرات مسيرة انتحارية بجانب مسيرات استراتيجية محملة بصواريخ موجهة، وقد سبق للمليشيا استخدامها في قصف المدنيين في مدينة الفاشر، مستهدفة مستشفى السعودي ومدارس إيواء النازحين وقد أحدثت بذلك خسائرا كبيرة في صفوف المدنيين والبنى التحتية في مدينة الفاشر, كما تشير التقارير إلى أن هذه الطائرات المسيرة الاستراتيجية قد أُطلقت من مطارات داخل دولة تشاد، والتي ظلت تنكر باستمرار تدخلها لصالح الدعم السريع في الحرب ما يطرح تساؤلات حول الأدوار الإقليمية في تأجيج الصراع داخل السودان.
توظيف الدعاية الإعلامية لتعويض الفشل العسكري
يبدو أن الهدف الرئيسي من هذا الهجوم لم يكن تحقيق إنجاز عسكري حقيقي بقدر ما كان محاولة لإعادة ضبط الصورة الذهنية للمليشيا، خاصة بعد سلسلة من الهزائم العسكرية المتلاحقة، بدءًا من معركة جبل موية في ولاية سنار، وصولًا إلى معركة شرق النيل. فبينما تواجه المليشيا تراجعًا في مواقعها وانهيارًا في معنويات مقاتليها، تسعى إلى خلق وهم بالقدرة على التأثير عسكريًا عبر الترويج لانتصارات إعلامية لا تعكس الواقع الميداني.
ومن بين أساليب الدعاية التي لجأت إليها المليشيا مؤخرًا، تقديم ما يُعرف بـ “الحكومة الموازية”،كانتصار جديد لمليشيا الدعم السريع وتحالفها مع حركات الحلو في نيروبي وبعض السياسيين لتشكيل الحكومة بالإضافة إلى محاولة تصوير ظهور قائدها محمد حمدان دقلو (حميدتي) في خطابات إعلامية على أنه انتصار جديد، وكأن مجرد ظهوره يمثل ضربة معنوية للقيادة العسكرية السودانية أو قادر على تغيير الوضع العسكري في الميدان
الإمدادات العسكرية والتجنيد الخارجي
لا يمكن إنكار أن الدعم السريع يمتلك موارد هائلة، بما في ذلك ميزانيات ضخمة تتيح له شراء المرتزقة من دول آسيوية وإفريقية وأمريكية جنوبية، فضلًا عن الإمدادات العسكرية المستمرة التي تشمل الطائرات المسيّرة وأجهزة التشويش والمدفعية والأسلحة الثقيلة والخفيفة والمركبات بجانب تقديم الدعم اللوجستي وتوفير والمستشفيات الميدانية. لكن رغم هذه الإمكانيات، فإن تحركات المليشيا في الفترة الأخيرة تعكس حالة من الفوضى والارتباك أكثر من كونها استراتيجية عسكرية مدروسة.
خاتمة
لا شك أن مليشيا الدعم السريع لا تزال تمتلك قدرة على شن هجمات باستخدام الطائرات المسيرة والقصف المدفعي، لكن هذه الهجمات غير موجهة بشكل دقيق أو ذات تأثير استراتيجي حاسم,بل تهدف لإلحاق الأذى بالمدنيين وارهابهم, وفي المقابل، فإن اللجوء إلى الدعاية الإعلامية الضخمة يعكس حاجة المليشيا إلى تعويض خسائرها على الأرض، ومحاولة الحفاظ على تماسك عناصرها وسط الانهيار المتسارع.
وفي النهاية، فإن قراءة المشهد العسكري والسياسي الحالي تشير إلى أن المليشيا، رغم مواردها الكبيرة، تعاني من تراجع في الزخم الميداني، وأن ما تروج له من “انتصارات” ليس سوى محاولات لإطالة أمد صراع يبدو أنه بدأ يتجه نحو الحسم