السودان: صديق البادي يكتب: في ذمة الله دكتور منصور خالد

0

ولد دكتور منصور خالد محمد عبد الماجد بام درمان في عام 1932 م . وكان جده الفقيه العالم محمد عبد الماجد يقيم باسرته بسنار التقاطع واستدعاه الخليفة عبد الله واستقر هو واسرته الممتدة التي حضرت في معيته بام درمان وهم ينتمون للجعليين العمراب ولهم مسجد عتيق بحي الهجرة وهو مسجد الشيخ ود عبد الماجد وتضم الاسرة عدداً من ابكار الذين نالوا تعليماً نظامياً عالياً وتبوأوا مناصب رفيعة مثل السيد امير الصاوي الذي كان وكيلاً لوزارة الداخلية وعميداً للخدمة المدنية وهو خال دكتور منصور وشقيق والدته السيدة سارة الصاوي عبد الماجد . وتوفي الوالد خالد محمد عبد الماجد وابنه منصور طالب في بداية المرحلة الثانوية ….اكمل دكتور منصور المرحلة الاولية وكان من معلميه فيها الشيخ عبد الله عبد الماجد والد شيخ صادق واكمل دراسته بمدرسة ام درمان الاميرية الوسطي وكان من بين معلميه فيها الاستاذ بشير محمد سعيد الصحفي المعروف واكمل دراسته الثانوية بوادي سيدنا ومن بين استاذته فيها الاستاذ جمال محمد احمد الذي درسه مادة التاريخ وكانت آنئذ تدرس باللغة الانجليزية واضحي صديق عمره وفي عام 1951 م قبل بكلية الخرطوم الجامعية ودرس فيها الحقوق وكان من بين ابناء دفعته دكتور حسن الترابي الذي كان اول دفعتهم وعين فور تخرجه معيداً بالكلية ومن زملائهم في تلك الدفعة مولانا خلف الله الرشيد الذي عمل رئيساً للقضاء لاكثر من عشرة اعوام ومن زملائهم مولانا دفع الله الرضي القانوني الضليع ونائب رئيس القضاء وقد توفي ورحل للعالم الآخر جل زملاء الدراسة في تلك الدفعة وآخرهم دكتور منصور واطال الله عمر مولانا محي الدين عووضة . وبعد تخرجه في عام 1955م تدرب منصور خالد وعمل بالمحاماة لفترة قصيرة . وعمل سكرتيراً للاميرلاي عبد الله بك خليل رئيس الوزراء رغم انه لم يكن منتمياً لحزب الامة ومنذ ان كان طالباً جامعياً كان يشارك بالكتابة في بعض الصحف مثل الصراحة لصاحبها الاستاذ عبد الله رجب وكان من الكتاب المعتمدين في صحيفة الناس لصاحبها محمد مكي محمد وكان يكتب أيضاً مع الأستاذ يحي محمد عبد القادر في صحيفته ويولي اهتماماً بالسير والتراجم التي كان يكتبها الأستاذ يحي ويترجم منها باللغة الانجليزية لبعض الجهات التي تطلب منه ذلك . ومن بين اصدقائه دكتور جعفر محمد علي بخيت الذي كتب سلسلة مقالات بصحيفة الصحافة بعنوان خواطر مسافر في فراديس الحضارات وذكر فيها انه كان في الخمسينيات يعمل ضابطاً ادراياً بمجلس ريفي كتم بدارفور وكان يقود حملة للقضاء علي الجراد الصحراوي حفاظاً علي الانتاج الزراعي وكان يسعي لتعلم اللهجات المحلية وكان صديقه منصور خالد يوافيه برسائله من ام درمان والخرطوم وكان يحدثه فيها عن الذي يدور بين الشيوعين بين البلشفيك والمنشفيك مع رسائل اخري فيها وجدانيات واستشهاد بمختارات من شعر المتنبي . وخرج منصور خالد من السودان وعمل بالجزائر موظفاً تابعاً للامم المتحدة ونال دراساته العليا بعد ذلك في القانون بجامعة بنسلفانيا بالولايات المتحدة الامريكية وحصل علي الدكتوراة من جامعة السوربون بفرنسا اي انه اضافة للغة العربية يجيد اللغتين الانجليزية والفرنسية وواصل عمله بالامم المتحدة وفي صيف عام 1969م كتب بصحيفة الايام الغراء سلسلة مقالات متميزة بعنوان حوار مع الصفوة وقدمه الاستاذ بشير محمد سعيد للقراء ووصفه بانه احد تلاميذه النجباء بمدرسة أم درمان الأميرية الأوسطي الذين يفخر بهم . وكانت لتلك المقالات صديً واسعاً وصادفت نهايتها قيام الانقلاب المايوي في عام 1969م وفي التشكيل الوزاري الاول الذي اذيع في اول يوم تركت ثلاثة مقاعد وزارية خالية وعندما اعلن شاغليها كان من بينهم دكتور منصور خالد صاحب مقالات حوار مع الصفوة وعين وزيراً للشباب والرياضة وعين الاستاذ احمد عبد الحليم مدير معهد الدراسات الاضافية بجامعة الخرطوم وكيلاً لتلك الوزارة . واقام دكتور منصور الملتقي الفكري الذي نظمته الوزارة وشارك فيه عدد من المفكرين من داخل الوطن ومن خارجه . وكان عدد من الوزراء والمسئولين من اليسار بشقيه الماركسي والعروبي لا يطيقون دكتور منصور ومنهم وزير الري المهندس مرتضي احمد ابراهيم الذي اعتدي عليه بيده او كاد في أحد الإجتماعات وعمل دكتور منصور علي تحاشيه ليأمن جانبه وعندما كتب الصحفي احمد علي بقادي مقالاً عن سقوط بيارة السوكي التي نفذت بايدي سودانيين بتوجيه واشراف وزير الري رد عليه الوزير المهندس مرتضي بمقال بعنوان فلتسقط بيارة السوكي الاولي والثانية ولتبقي الحقيقة لشعبنا ودارت بين الطرفين معركة صحفية ساخنة وانحاز دكتور منصور للمهندس مرتضي الذي كان يسعي بشتي السبل ليأمن جانبه لما عرف عنه من شراسة واشار اليه بأن بقادي موظف بمكتب اعلام الامم المتحدة بالخرطوم ويحرم علي مثله بحكم وضعه الوظيفي الدخول في مثل هذه المعارك الصحفية ونصحه ان يشكوه لمكتب الامم المتحدة وكان له ما اراد وتم فصله من العمل …. ولما كثر الشد والجذب بين دكتور منصور والآخرين عينه الرئيس نميري مندوباً للسودان في الامم المتحدة . وبعد وقوع حركة هاشم العطا الانقلابية الفاشلة كان دكتور منصور متواجداً بالخرطوم وكان يجلس يمين الرئيس نميري في مؤتمراته الصحفية ولقاءاته المختلفة وكان مشجعاً ومسانداً له في اعفاء الشيوعيين بجناحيهم المؤيد او المعارض لمايو من كافة وظائفهم ومنهم عدد من الوزراء من بينهم الاستاذ فاروق ابو عيسي وزير الخارجية الذي عين دكتور منصور خالد بدلاً عنه وزيراً للخارجية ….. وكان عضواً بارزاً في المفاوضات التي جرت بين وفد الحكومة ووفد حركة التمرد الاولي انيانيا بقيادة جوزيف لاقو وتوجت في اديس ابابا بتوقيع اتفاقية السلام في الرابع من شهر مارس عام 1972م ولعب منصور خالد دوراً مقدراً في استقطاب الدعم المالي والعيني من الدول الاسكندنافية وغيرها التي بعثه إليها الرئيس نميري للقيام بهذه المهمة . وكان له القدح المُعلي في وضع دستور عام 1973م الذي كرس السلطة في يد رئيس الجمهورية وكان دستوراً علماني التوجه وقد عارض هذا التوجه عدد من اعضاء مجلس الشعب الاول وعلي رأسهم العميد مزمل سلمان غندور والسيد مهدي مصطفي الهادي والشيخ محمد عبد الله الوالي والشيخ عبد الله الطيب جدو وآخرون . وحدثت جفوة عارضة وسحابة صيف في العلاقة بين الحكومتين في السودان ومصر والعلاقة بين الرئيسين نميري والسادات لان النظام المصري كان عاتباً علي النظام السوداني لانه لم يشركه في مفاوضات السلام ولو بأي مساهمة وآل الفضل كله لاديس ابابا وهيلاسلاسي واعلنوا ان كفة السودان بدأت تميل اكثر لافريقيا وبعد انقشاع سحابة الصيف بين الرئيسين والحكومتين أجري صحفي مصري مقابلة مع دكتور منصور واتهمه ووزير آخر بأنهما تسببا في خلق تلك الجفوة العابرة فرد عليه دكتور منصور بأن لكل دولة سيادتها ومصالحها وهي حرة في ترتيب علاقتها الخارجية وان اديس ابابا كانت هي الانسب لاجراء المفاوضات لان قيادة انيانيا تثق فيها اكثر واختتم حديثه للصحفي المصري قائلاً إن أي سياسي سوداني لا يقدم مصلحة وطنه علي غيره فهو سياسي فاشل وإن أي سياسي مصري لا يقدم مصلحة وطنه علي غيره فهو سياسي فاشل ..وعقب الانتصار العسكري والمعنوي في حرب رمضان عام 1973م وما أعقبه من تداعيات وتحديات اقتصادية بين الدول العربية المنتجة للبترول من جهة وبين الدول الغربية الصناعية من جهة أخري وما تبع ذلك من قفل لقناة السويس تضررت منه عدد من الدول وعلي رأسها السودان وأدلي منصور خالد وزير الخارجية بتصريح للأستاذ سليم اللوزي نشره بمجلة الحوادث البيروتية التي كان يتولي رئاسة تحريرها وذكر له ان ماقدمته ايران وشاه ايران للسودان من هبات ومساعدات نفطية لسد العجز لم تقدمه في تلك الأيام كافة الدول العربية المنتجة للبترول مجتمعة وسبب هذا التصريح حرجاً للرئيس نميري مع ملوك ورؤساء تلك الدول مما اضطره للاعتذار لهم . وفي التشكيل الوزاري الشهير أقال النميري عدداً من أهم وزرائه وحول بعضهم للاتحاد الاشتراكي وشملت تلك الاعفاءات دكتور جعفر محمد علي بخيت والعميد عمر الحاج موسي والسيد ابراهيم منعم منصور وأخرين اما الدكتور منصور خالد فانه بقي وزيراً وتم تحويله من وزارة الخارجية لوزارة التربية والتعليم وبعد عام اعاد النميري تعيينه وزيراً للخارجية وعند تعيين السيد الرشيد الطاهر بكر رئيساً للوزراء كتب المحرر السياسي الذي لم يكن يذكر اسمه محمد محجوب سليمان ان منصور خالد كان يتعمد في كثير من الاحيان الغياب وعدم حضور اجتماعات مجلس الوزراء التي يرأسها السيد الرشيد وبعد عام أقال الرئيس نميري السيد الرشيد من رئاسة الوزراء وعينه نائباً لرئيس الجمهورية ووزيراً للخارجية التي اعفي وزيرها منصور خالد وعينه مساعداً للامين العام للاتحاد الاشتراكي ورئيساً لمجلس ادارة دار الصحافة وتكالبت عليه مراكز القوى واعفي من جميع مناصبه في عام 1978م ولم تشفع له صداقته وعلاقته الخاصة بنميري الذي قدمه منصور خالد مرة لمخاطبة مؤتمر للديبلوماسيين ووصفه وهو يقدمه بانه ( الديبلوماسي الاول !!) وبعد إعفائه قلب ظهر المجن لنميري ونظامه ونشر سلسلة مقالات ناقدة في صحيفة الايام بعنوان لاخير فينا ان لم نقلها وارسلها من الخارج بعد ان عاد للعمل بالامم المتحدة . وبعد انتفاضة رجب ابريل في عام 1985م عاد للسودان . واستضافه التلفزيون وكان يود البقاء في السودان لايام يقدم فيها شهادات ضد عدد من مسؤولي عهد مايو الذين كانوا من أعدائه ولكن الأستاذ عبد الأستاذ عبد الوهاب بوب طالب باعتقاله وفتح بلاغ ضده ومساءلته لانه كان من الذين ثبتوا ركائز النظام المايوي وخرج منصور خالد من السودان بسرعة وترك ما اعتزم فعله ولم يعد اليه الا بعد عقدين من الزمان عقب توقيع اتفاقية نيفاشا . وبعد خروجه أعلن انضمامه للحركة الشعبية بقيادة دكتور جون قرنق وبرر انضمامه اليه بأنه يساند قضايا الهامش والمهمشين الذين لم يدافع عن قضاياهم او يذكرها ولو عرضاً طيلة فترة مشاركته في عهد مايو والتي امتدت لمدة تسعة أعوام كان يحضر فيها جلسات مجلس الوزراء وجلسات الاتحاد الاشتراكي وغيرها ولعل له اهدافه الحقيقية التي دفعته للانضمام للحركة الشعبية وهو علي صلة وعلاقة بدوائر اجنبية غربية مؤثرة كان من اهدافها السعي لتجاوز الحركة الشعبية للمنفستو الماركسي وقطع علاقة قرنق بمنقستو والتحول نحو الدول والمنظمات الغربية والارتماء في احضانها وقد نجح منصور خالد في هذه المهمة ولعل من اهم اسباب انضمامه للحركة الشعبية هو سعيه للارتكاز علي تنظيم يسند ظهره ومن خلاله يدعو لمسالة ظلت بالنسبة له هاجساً وهي ضرورة فصل الدين عن الدولة وعدم تطبيق حدود الشريعة الاسلامية وكان يجاهر بمعارضته لتنظيم الاخوان المسلمين والسلفيين وأتاح له شيخ صادق عبد الله عبد الماجد فرصة الالتقاء بالاستاذ سيد قطب وخرج منه منصور خالد وهو أكثر بعداً وبغضاً لتنظيم الاخوان المسلمين ومع ذلك كانت بينه وبين دكتور حسن الترابي هدنة رغم الخلافات بينهما في موضوع علاقة الدين بالدولة وتطبيق حدود الشريعة الاسلامية وكان يقول احياناً صديقي دكتور حسن ولعل سبب ذلك انهما كانا زميلين في الدراسة بالجامعة وزميلين في مجلس الوزراء في عهد مايو . ومع كل هذا العداء لعلاقة الدين بالدولة كان يستشهد في عدد من مقالاته بآيات من الذكر الحكيم وباحاديث نبوية ونشر كتابه عن الثلاثية الماجدية وكان أميل للتعاطف مع الصوفية وبجرأة عجيبة ظل يعلن دون ان يرمش له طرف ان الاسلام للعبادات وليس للمعاملات وينادي بضرورة فصل الدين عن الدولة وتصدي له المفكر العالم الموسوعي دكتور محمد وقيع الله ودحض آراءه وفند أفكاره ورد عليه رداً علمياً موضوعياً عميقاً أما الأستاذ صلاح احمد ابراهيم فقد ناصب دكتور منصور العداء وجرده من الوطنية . وحدثت تراشقات قلمية بين دكتور منصور ودكتور محمد ابراهيم الشوش وبين منصور خالد وبروفسور عبد الله علي ابراهيم وشن منصور خالد هجوماً شرساً علي السيد الصادق المهدي الذي لم يحفل بهجومه وكان اكثر لوذعية منه وذكر انه لا يهتم بما يكتبه او يقوله العملاء ولا يرد عليهم .
ولا ينكر احد ان لدكتور منصور خالد قدرات كتابية وتعبيرية هائلة اتفقوا او اختلفوا معه وله إهتمامات عديدة وكتب مرة كلمة رثاء للفنان احمد المصطفي أبدع فيها وصرح مرة بأنه بدأ في اعداد موسوعة عن أغاني حقيبة الفن بالاشتراك مع السيد صلاح ادريس ولكن لم تتح لهما الظروف تنفيذ هذا المشروع . وقد اصبح دكتور منصور الآن في رحاب الله سبحانه وتعالي وندعو له في شهر رمضان المعظم شهر الرحمة والغفران ان يشمله المولي سبحانه وتعالي بعفوه وواسع رحمته وغفرانه وان يدخله فسيح جناته .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.