الدعم السريع يرسم لوحة جديدة في الصلح بين القبائل و تمكين السلم المجتمعي

0

همس الحروف

الباقر عبد القيوم علي

في أماكن قصية ، بعيداً عن أصحاب الكرفتات و المثقفاتية ، قامت صراعات قبلية دامية أبتدأت بدون مقدمات و كذلك ليس لها أسباب منطقية ، فأصبحت نزاعات مسلحة بين بعض القبائل التي راح ضحيتها الآلاف من بني جلدتنا و اهلنا ، فقد هتكت رتق السلم المجتمعي و ظلت تمزق في النسيخ الإجتماعي المتناغم الذي كان آمناً قبل هذه الكوارث التي حلت به لتمرق بإنسانية الإنسان و كرامته بالأرض ، و قد أتت هذه النوازل لهؤلاء البسطاء بدون إستئذان أو سابق إنذار ، حيث بدأت تدمر في العلاقات الإنسانية الحميمة بين شعوب القبائل المختلفة التي خاطتها أيادي أجدادنا بحكمتهم المقتبسة من الدين منذ فجر التاريخ الاول ، فأفزعت إنسان المنطقة البسيط الذي ليس له طموح في الحياة أكثر من ان يعيش يومه بسلام ، و لقد كسر صوت السلاح صمت تلك السكينة التي كانت يعيشها ذلك المجتمع الهادي المتجانس ، فقد زعزعت الحروب القبلية طمأنينة الآمنين بإستباحتها لحرمة دمائهم التي راح ضحيتها الكثير من الأبرياء الذين ماتوا دون معرفتة الأسباب الحقيقية التي ساقتهم إلى ذلك ، فترملت النساء و ولقد غشى اليتم الأطفال ، من جراء هذه الأحداث التي خصمت كثيراً من مساحات الأمان ، فحالة السيولة الأمنية عطلت حركة الأنتاج في كثير من القرى و المدن ، الشيء الذي سيؤدي في القريب العاجل لإنعدام الأمن الغذائي ، فكان لابد للحكماء من التدخل لمعرفة حقيقة المسببات التى أدت إلى ذلك لأن بالمعرفة سيتم تشخيص المشكلة بصورة صحيحة ، حتى يتم بموجبه رتق الفتوق التي نتجت و إن إتسعت أبوابها ، و كذلك يستطيع المعالج وضع أصبعه على الجرح ، حيث تعتبر هذه الطريقة اقصر الطرق للحلول و المعالجات

الباحثون عن معرفة أسباب هذه النزاعات في هذه المناطق لم يجدوا لها أسباباً منطقية قادت إلى كل هذا الدمار ، غير أن هنالك أسباب واهية إرتبطت بالتعدي بكافة أشكاله سواء كان ذلك على الإنسان و الثروات أو الحواكير ، حيث إزدادت وتيرتها خصوصاً بعد دخول أنشطة التعدين الأهلي في سياق الظفر بالثروات مع إهمال توضيح نوعية علاقات الشراكة ببن المستثمرين و السكان المحليين الذين حتماً سيدفعون فاتورة ذلك خصماً من صحتهم و صحة أبنائهم

و لهذا نجد أن تجار الأزمات تنشط أعمالهم عبر الميديا لزرع الفتنة الحارقة بجر الناس إلي أتون الاصطراع القبلي على خلفيتة العرقية وذلك بتوسيع دائرة الإشاعات بالإعلام السالب و توظيف كل الوسائل الممكنة و غير الممكنة ضد خصومهم السياسيين ، فنجدهم يؤسسون لصناعة صراع مميت بين العرب من جهة و الزرقة من الجهة الأخرى ، حيث أنهم في الأصل مكون واحد لا فرق بينهم ، فكل عوامل وحدة هذا المجتمع موجودة بين أفراده منذ القدم و تقف شواهد التاريخ على صحة هذه العلاقات الوطيدة الممتدة ، فتربطهم أواصر الدم بالنسب و التزواج حتى انصهروا في قالب واحد فكلهم أفارقة بالدم و الثقافة و كذلك كلهم عرب باللسان ، لأن لغة السودانيين جميعاً هي اللغة العربية ، و يأتي فوق ذلك الإسلام الذي حارب كل هذه الظواهر السالبة التي تعتمد على الجهويات و المناطقيات و غيرها ، فالمخربون يطلقون على العرب عموماً مصطلح (جنجويد) حتي يتمكنون من خلق مقاربات و ذلك من أجل تأزيم المواقف بين مكونات هذا المجتمع ، فرسموا بهذا المصطلح صورة كاذبة و وضعوا فيها أجندتهم التخريبة من أجل شيطنة قوات الدعم السريع لإقتران الأخير بهذا المصطلح

فنجد على النقيض تماماً أن قوات الدعم السريع على مستوى قيادتها و قاعدتها طيلة الفترات السابقة تبذل الجهود الجبارة و هي تحمل هموم القضايا الوطنية العظيمة التي أرقت السلم المجتمعي و نزعت فتيل الأمن و الأمان من مجتمع تلك البقاع الطيبة و في أماكن كثيرة على إمتداد السودان العريض ، فها هم ما زالوا يحملون البندقية بيد و يعمرون باليد الأخرى و يصلحون ذات البين بين القبائل و الأفراد من اجل الإستقرار و التنمية و فرض هيبة الدولة ، فلقد شمروا لهذه القضايا السواعد و لم يدخروا جهدا للاضطلاع بما تمليه عليهم ضمائرهم و حسهم الوطني في رتق جل هذه الفتوق بين المكونات القبلية في تلك المجتمعات

بعيداً عن تلك المناطق ، هنا في العاصمة الخرطوم كانت أروقة مكاتب الدعم السريع تضج و تعج بلمفات تلك القضايا المعقدة التي كانت تبحث عن علاج لها ، و كان مكتب مهندس المبادرات و زعيم إصلاح ذات البين ، و شيخ الجودية في السودان و أمير السلم المجتمعي و تعزيز الإستقرار ، سعادة الفريق عبد الرحيم دقلو في حالة قلق دائم و ترقب شديدين لما يحدث من فتن بين القبائل و مكونات المجتمع المدني الدارفوري ، حيث أن هذه القصص تكون بسيطة في بدايتها و لكن لها نهايات مأسوية تسببت في خسائر كبيرة في الارواح ، أن هذا القائد تزعجه هذه القضايا و لهذا نجده لم يهدأ له بال حتى اصدر توجيهاته الصارمة بتكوين آلية للصلح بين قبليتي الفلاتة و الرزيقات برئاسة العميد حسين منزول أزرق قائد قطاع غرب دارفور و عضوية كل من العقيدين محمد أحمد خليل (دنقشة) و عبد المطلب عينة و ، الرائد شمس الدين التوم الشايب ، و اركان حربهم الميامين الذين ابلوا بلاءً حسناً في إدارة الحوار و قيادته و تقريب المسافات في هذا الملف الذي كان شائكاً لإحتوائه للكثير من المآسي و المرارات و دموع الثكالى و آهات اليتامي التي تدمي لها القلوب ، كانت ضربة البداية بالغة التعقيد و لكن كانت لهؤلاء الرجال إرادة قوية في إيجاد مساحة خضراء تحتوي خلافات هذه القضية حتى انتهى بهم الحال الى مؤتمر جامع بمنطقة كشلنقو (ياو ياو) عاصمة الداجو ، حيث نزل بهم رجل خفيف ظل و عظيم مكانة ، و واسع فكر شارك في إدارة هذا المشهد بكل تفاصيله فاستطاع ان يضع بصمته التي كان لها وقعها و وزنها الكبيرين في قلوب المتخاصمين ، إنه رجل إستثنائي في همته ، فالعميد ركن أبشر جبريل بلايل ، فكان صاحب الدور المحوري في إضفاء الروح للمكان الذي إستقبل هذه الحشود التي شاركت في هذه المبادرة حيث إعتبر أن لمثل هذه الأمكنة التي تأوي مثل هذه المعاهدات قداسة روحية مسترشداً بأثر تلك الشجرة التي تمت بيعة الرضوان تحت ظلها فلهذا نذكرها دائماً في الأدعية كحق أدبي للمكان الذي إكتسب قدسيته حينما بايع الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه ، فأنطلق من هذا المبدأ معلناً بتحمله تكملة بناء تلك المؤسسة التعليمية (المدرسة) التي دارت تحت ظل شجرتها و داخل أروقتها تفاصيل هذه المبادرة التي انتهت بصلح لم يسبقه مثيل ، و لقد وعد بتحمل تكلفة جميع نواقصها ، حيث لم يكن مكلفاً بمثل هذه المهمة التى حفظت قداسة المكان و لكنه كان رجلاً رمزياً و قائداً فذاً له وزنه في مثل هذه المواقف و قد خبر فنون العطاء و إدارة الأزمات و كما له نظرة بعيدة تهتم برمزية التعليم الذي يجلب الوعي الذي تنتهي معه كل أزمات الإنسان و خلافاته ، و قد صاحبه في هذا المكان الرائد د . نجم الدين عبد الله إسماعيل ذلك الرجل الرائع صاحب الكلمة المؤثرة و الفكر الثاقب ، والذي شكل بحضوره ألقاً فاستطاع أن يهز قلوب الحاضرين بكلماته الدافئة المعبرة هزاً ، حيث كان يصطحب كل الأدوات التي صورها المشهد بإحترافية خبير برع في إدارة الإعلام الموجب ، و بهذا الزخم الهائل فقد نجح الجميع برعاية كريمة من قائد ثاني الدعم السريع و بتشريف سعادة حاكم الإقليم مني اركو مناوي و تحت ضيافة حاكم الولاية حامد التجاني هنون و بحضور بقية حكام الولايات الدارفورية وذلك بوجود ناظري القبيلتين و نفر عزيز من مكونات الشعب المختلفة إستطاعوا ان يرسموا أجمل لوحة للتعايش السلمي ، حيث تم دفن جل الخلافات تحت تلك الشجرة المباركة ، و استطاعوا محو أثار الإصطراع بين القبيلتين ، و ازالوا ما ترتب على ذلك من أغبان بينها .. نسأل الله أن يتقبل عمل الجميع و ان يوفق الفرقاء و ان ينزغ الشيطان من بينهما و ان يربط على قلوبهم حتى يكون همهم الاكبر هو الوطن الكبير ، و كما يجب علي المثقفاتية و أصحاب الكرفتات و خصوصاً أبناء الشمال الذين ظلوا يشيطنون هذه المؤسسة بدون مبرر أن يعوا دورها الجبار في صناعة الإستقرار و إصلاح ذات البين و بسط الامن و الامان و إشاعة هيبة الدولة

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.