السودان و مصر .. الرباط الأبدي يتجاوز حدود مثيري الفتن

0

همس الحروف

الباقر عبد القيوم علي

الكاتب الصحفي الإثيوبي سلام مولوجيتا غامر بقبول فكرته لدى القراء في مقاله بعنوان : (يخبرنا التاريخ عن ودية العلاقة بين إثيوبيا و السودان .. و أما مصر فلم تكن يوماً صديقاً للشعب السوداني) هذا المقال يفتقر للمعلومات الحقيقة العامة فضلاً عن الدقيقة ، و يريد أن يصور به أن إثيوبيا في علاقتها مع السودان تبدو في ثوب العروس الوديعة و مصر تعتبر العدو اللدود للسودان ، و هذا ليس صحيحاً فكلاهما جارتين عزيزتين على الشعب السوداني ، فنجد أن هذا الأستاذ قد بالغ في مقاله في إثارة بعض المعلومات التاريخية المغلوطة التي يمكن أن تسوق الناس إلى فتنة ، و ذلك من واقع عاطفتة المشبوبة والتي تحركها بعض الأغبان تجاه الجارة مصر بسبب موقف مصر و السودان المشترك من قضية ملء سد النهضة ، ، فكل من مصر و السودان ليس معترضين في إقامة السد في ذات نفسه و هذا حق أصيل للجارة إثيوبيا و معترف به من الجميع ، و انما يقع الخلاف في بعض المسائل الفنية التي تضمن متانة جسم السد و طريقة الملء فقط و المدة الزمنية ، و هذا الخلاف الفني مع إثيوبيا يأتي من واقع أنفرادها بالقرار في التعامل مع هذا الملف بأحادية و صلف شديدين مع أن هذه القضية في الاساس هي قضية مشتركة يتأثر بقرارها الأحادي السالب كل من مصر و السودان تأثيراً مباشراً ، و هذا السلوك المنفرد يعد سلوكاً مستفز للغاية و مرفوض و يهدد أمن الدولتين .

الكاتب أراد ان يرسل رسالة ذات وقع سالب في بريد الوجدان السوداني ، فبداية لابد أن يعرف هذا الرجل أن الشعب السوداني شعب مسالم و ودود و حريص كل الحرص في إقامة العلاقات الأخوية و الودية مع كل دول الجوار بدون فرز ، و لا شك أن للسودان علاقات ضاربة في القدم بقدم التاريخ و ممتدة مع الجارة إثيوبيا تجاوزت حدود الجوار و إمتدت إلى الإنصهار و المصاهرة ، و لكن ما يجهله هذا الكاتب أن علاقة السودان مع مصر هي ليست علاقة عابرة يمكن أن تختصر بهكذا صورة كما حاول أن يصورها ، فهي علاقات ممتدة و ذات أفرع منتشرة على مستويات عديدة كاللغة و الدين و الثقافة و العادات المشتركة ، و التاريخ الممتد و التداخل الجغرافي المصاهرة ، فهذه العلاقات بين البلدين عميقة و يقف التاريخ عليها شاهداً و راوياً في تفاصيل تاريخية قديمة تصف عمق هذه العلاقة الممتدة و الثابتة و الراسخة برسوخ وحدة المصير المشترك ، و هذا بالإضافة للعلاقات الأخوية بين الشعبين التي تقوم على الشراكة والاتحاد ، و التي تبحث عن الأمان بوجود الآخر ، فالحضارة النوبية القديمة تثبت وحدة هذا التاريخ المشترك ، فآثار مناطق شمال السودان هي إمتداد طبيعي في الشكل و المضمون لأثار مصر و حضارتها الفرعونية و هذا دليل يقف شاهداً على هذا التمازج و التلاقح الذي كان منذ آلاف السنين و ما زال ، و لا شك أن السودان يشكل عمقاً إستراتيجياً لمصر و العكس تماماً بالنسبة للسودان و خصوصاً أن الحدود بين البلدين تمتد إلى أكثر من 1300 كيلو متر ، و أمن مصر يرتبط إرتباطاً و ثيقاً بأمن و إستقرار السودان لأهميتة الإستراتيجية والجيوسياسية ، فكيف يريد هذا الكاتب أن يصور مصر هي اللاعب الأكبر في زراعة الفتن بين الأحزاب السودانية حتى لا ينعم السودان بالإستقرار ، فإستقرار السودان يعني إستقرار مصر ، صحيح قد تختلف الحكومات و لكن يظل مصير الشعوب مصيراً مشتركاً .

هذا المصير المشترك أوجب إقامة علاقات طيبة بين الشعبين تحمل نفس المفاهيم المشتركة ، و بغض النظر عن طبيعة هذه المفاهيم نشأت في السودان أحزاب و كتل سياسية أساسها كان مصرياً ، فنجد أن المجتمع المصري يتوافق توافقاً كلياً مع المجتمع السوداني في كل المفاهيم المدنية و الدينية والثقافية و الإجتماعية ، والأكاديمية و السياسية ، و هذا التقارب فرض تطوير هذه العلاقات و الإهتمام بخصوصيتها بين البلدين و توسيع مفهومها بالشراكة ، و بالمقارنة نجد أن التوافق بهكذا صورة تنعدم مظاهره بين شعبي إثيوبيا و السودان و لكن هذا لا يمنع أن يظل التواصل بين الشعبين مستمراً .

أما قضية مثلث حلايب و شلاتين هي قضية قديمة متجددة و مرتبطة بسخونة أو برودة العلاقات بين النخب الحاكمة ، و كما ليس للحكومات الحالية يد في ذلك فهي قضية تاريخية تحركها المواقف السياسية بين الحكومتين ، فالإستعمار هو من خطط لصناعة هذه البؤرة من أجل تحريكها متى ما كانت حاجة بريطانيا و الغرب لها ، و على الرغم من وجود هذه القضية في الساحة لم نسمع يوماً أن جندياً مصرياً أو حتى مواطناً عادياً قام بالتعدي على مواطن سوداني ، و لقد ظل على النقيض تماماً سلوك الشفته الإثيوبية التي يدعمها الجيش الإثيوبي في تعديها الدائم على الحدود و قتل المواطنين السودانيين في مناطق ليس فيها أي صور نزاع حدودي كما هو الحال في حلايب .

و أضف إلى ذلك الوجود الكثيف للشعب الإثيوبي في السودان و حجم الحريات التى ينمتع بها على الرغم من عدم شرعية إقامة الغالبية العظمى ، فأكثرهم وصلوا الي السودان بدون اوراق ثبوتية ، و على النقيض تماماً نجد حدة و صرامة الحكومة الإثيوبية تجاه أي مواطن سوداني تجاوزت مدة إقامته أو زيارته على أرضها ساعة واحدة فقط .

الوجود السوداني الضخم في مصر و الحريات التي يتمتع بها المواطن السوداني تؤكد متانة هذه العلاقات و مدى الإنصهار بين شعبي وادي النيل و تنفي عملياً كل هذه الإدعاءات التى يحاول أصحاب الغرض التعرض لها و إستغلالها و تأجيجها بغرض معلوم للجميع ، فالشعب السوداني شعب حريص في حفظ حقوق الجوار مع كل الدول ذات الحدود المشتركة ، و حريص جداً كذلك على إقامة علاقات طيبة مع الجارة إثيوبيا بصورة تتجاوز حدود ما تسمح به الحكومة الإثيوبية للمواطن السوداني على أرضها ، و لهذا نرجو أن يكون الإعلام صادقاً في النقل و التوثيق للمعلومات بعدم السماح لترويج الإشاعات التى تؤجج الفتن و تزيد الأغبان .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.