د إيمان بشير نور الدائم تنعي زوجها بروف يونس عبد الرحمن بعد عام من الفقد

0

بقلم : د . إيمان بشير نور الدائم

من أصعب المواقف في حياتي حينما أجد نفسى واصفةً لحال نفسي في زمان يصعب فيه الوصف و تتمدد فيه المصائب وتسيطر عليه الأحزان في كل المواقف و عندئذٍ تنعدم حولها كل ملامح الفرح و إن تعددت مظاهر الأفراح ، فتظل لا تحمل ذلك الاحساس القديم ، فهي باهتة ليس لها طعم و لا لون و لا رائحة كتلك أعراض كرونا التي أهلكت الأنفس و حرمت الناس الأنفاس عنوة و أغلقت البلدان و أخذت الحبان قاتلها الله ، فلا تكاد تنتهي عندنا حادثة حتّى تبدأ حادثة أخرى، وكأنّما الأحزان استعانت بتلك الأحداث ترصداً و تّدوينا ، فكانت الإبتلاءات تمحصنا على مرجلها وكانها تحمصنا على نار هادئة كقندول من الذرة الشامية فتسمع أناته و هو يطقق ألماً بأصوات كإنفجارات لقنابل ذرية و تهزنا بمنخلها فيتساقط أضعفنا من على ضهر هذا المنخل الذي يقابل النار ، و كأن الأقدار تريد ان تقيس حدود صبرنا .

كم تمنّت لو توقفت عقارب الساعة عند لحظات لم يطل بها عمر الزمان طويلاً كما ينبغي لها أن تكون ، فكانت هي الأسعد في حياتي حينما قدر الله أن يكون هو الزوج الصالح ، و كم تمنيت ألا يجتازها قطار الزمن أبداً ، أو إذا مر بها ألا يكون على عجالة من أمره ، لأنها كانت أيام خالدات لان صحبة الأخيار تعتبر من أجل فروع العبادات ، لقد كان يونس سفراً مضيئاً في حياتي فيمثل الاب حنواً و الاخ سنداً و قوة و الابن براً و الزوج صلاحاً و تفوى ، بل كان هو القبيلة سعة و العشيرة نسباً و المدرسة مرشداً و الطريق رفقة و الدار سكناً بل كان هو الحق و لقد عرفت به الحق و لامست به الحقيقة سمواً و علواً .

ومثل حياة كل الناس بتدافعها الطبيعي تمخر بنا سفينة الحياة سراعاً ، تارة مستقرة حتى نظن اننا قد أمنا مكرها و تارة أخرى بطيئة تتهاوى بين أمواج عاتيات حتى نحسب أنها النهاية ، ثم تسكن بعد ذلك حتى تذيقنا من طهم نعيم يُسرها تم تنقلب علينا مرة أخرى ، و ها نحن بين هذا و ذاك نصارع و نحاول مسايرتها في ظروف كانت هي الأقسى خلال حياتنا في هذه الدنيا ، لقد سرنا متوكلين على بركة الله و نحن نعالج أمرها بعزيمة لا تعرف الهزيمة فكانت تعاندنا حينما نبادلها قوة بقوة فلا نقوي عليها ، ثم نحاول كسبها فنضحكها و نحن في حالة من البكاء ، في الحين الذي ترسم لنا فيه البلوى و ظللنا على حكمة شعرة معاوية فإذا شدت علينا رخينا لها و إن رخت شددناها مرة أخرى حتى لا تنقطع أو تلين .

تم يأتي بعد ذلك قدر الله ليأخذ خيار من خيارنا فإذا بظلمة دامسة و عتمة سوداء تخيم علي رؤسنا حتى ظننا أن العمى قد أصابا وقد أصابنا حقيقة ، لشدة سواد حياتنا من بعد ان حزم الحبيب يونس متاعه و غادرنا ، لقد وجدت نفسي في وحدة قاتلة على الرغم من وجود الناس من حولي و ها إنا أبكي على وجعي ، و ألمي المضاعف فهل تركتموني أبكي عليه لأنه كان أبي أم لانه كان إخي حيث أنني فقدت سندي من بعده ، أم إبني فقد كان باراً بي ، أم زوجي و نصف حياتي بل هو الحياة كلها التي كنت أعيشها لانه كان هو من يملأها ، في فقده لم أفقد شخصاً واحداً في شخص يونس فقد فقدت برحيله كل من هم حولي حتى قبيلتي فهو كان القبيلة و العشيرة و جميع أهلي ، فأصابني اليتم كما أبنائه حتى تمنيت ألا أبقى على قيد الحياة من بعده ساعة ، فخارت عزيمتي ، إلأ أنه قد علمني و أبنائه خلال رحلة حياته القصيرة معنا أن لنا رسالة فلابد أن نحمل رايتها في هذه الحياة حتى نلقى الله بها ، فكان لابد من حمل هذه الراية حسب وصيته حتى لا تسقط ، فأمسكنا بها نتبرك بأثاره فيها ، و نرفها كما كان يريد و خطط لذلك المسير ، حيث كان يزرع الأمل في أسرته في كل يوم قبل موته طيلة فترة حياته معنا ، و أيقنت أنه لابد ةن أكمل ما بدأه من مشوار تلك الرسالة التي من أجلها خلقنا ، فبدأت إعصر على وجعي و اقول له أما كفاك يا وجع توسط صدري ، بلهيبك الذي أشعلته في أضلعي ، متى تنطفي نارك و ها هو عام من الفقد و عام من الحزن و عام من الزهول قد مر علينا ، و كل شيء قد تغير حولي ، فيا ربي إليك المشتكى و عليك المتكأ فلا تكلني إلا نفسي طرفة عين .

فيا وجع الفراق الذي توسط قلبي و قد صرت خليلي رغماً عن أنفي منذ رحيل رفيق دربي ، فقل لي بالله متى تنوي الرحيل عني ، أما ترى كيف استكان الدمع في أجفاني فهُلكت لذلك جميع أعضاء بداني .

الحمد لله فإن الموت حق ، و لابد منه ، و هو حوض يرد الجميع إليه حسب تقدير المتعال بتقديره للآجال التي يقدرها الله كما شاء و كيفما شاء ، و لقد شاء الله أن يسبقني قائد الركب بترجله عن صهوة جواده و يتقدم صفوفنا عندما أذن له الله بورود ذلك الحوض إستجابة لقدره المحتوم في ليلة مباركة من ليالي رمضان فكانت ليلة ال23 الذي كان يوافق 2021/5/5 ، و لقد سلمنا بالقضاء و القدر ، و ما زالت قلوبنا يعتصرها الألم و عيوننا تزرف الدموع السجية ، و لكن لا نقول إلا ما يرضي الله و رسوله ، سائلين له المولى عز وجل أن يتقبله في منازل الأنبياء والشهداء و الصدقين ، وأن يبدله جنة الفردوس الأعلى بدون حساب أو سابق عقاب ، وأن يتقبل كل ما قدمه في سبيل إرضاء ذات الله خالصاً و أنا يعننا على السير في نهجه و الدرب الذي بداه و أن يرفع درجته في عليين في صفوف النبيين و الصديقين و الشهداء و الصالحين وأن ينزل علينا غيثاً من السماء في قلوبنا و جميع أهله المكلومين و أن يطفىء بها حرقة صدور المحبين له من الأخوان الذين تآخوا معه في الله و لله و ان يجمعنا به في ملتقى رحمته يوم الدين يا رب العالمين و لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، و إنا لله وإنا إليه راجعون .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.