بشفافية _ حيدر المكاشفي | الطمع والجشع وغياب الرقابة

0

بشفافية _ حيدر المكاشفي | الطمع والجشع وغياب الرقابة

شهدت قبل يومين نقاشاً حامياً دار بين جمهرة من المواطنين والمواطنات بأحد مواقف المواصلات العامة، وكان مدار النقاش يتمحور حول جشع وطمع بعض سائقي مركبات المواصلات العامة واستغلالهم لظروف المواطنين خاصة في أوقات الذروة وعند ساعات المساء، وذلك بمغالاتهم ورفعهم للأسعار في هذه الاوقات خلافا للأوقات الاخرى،

ودلل أحدهم على هذه المفارقة بأنه في الأوقات العادية يدفع خمسين جنيها لـ(الهايس)، ويتضاعف هذا المبلغ في أوقات الذروة والامسيات الى مائة جنيه لنفس المشوار، فوافقه الرأي الجميع واستعرض عدد منهم معاناتهم مع المواصلات لعدم توفرها من جانب ومغالاة السائقين من جانب آخر، ونعى جميع المتحلقين في الموقف على الحكومة غيابها وترك حبل المواصلات على جرار السائقين والكماسرة ليفرضوا التسعيرة التي يشاءون، من قبلها يركب ومن (ركب رأسه) ورفضها فليس أمامه الا أن يركب (خ11) أو ينتظر محسن يحمله (ملح)،

وقد صدق هؤلاء المواطنون والمواطنات المكتوين بنار المواصلات (وانا منهم هذه الايام)، فليس كل الغلاء الفاحش المتفشي الآن سببه فقط تآكل قيمة الجنيه السوداني مقابل العملات الاجنبية وبالاخص الدولار، وليس فقط أيضاً الزيادات العالمية التي تطرأ على الاسعار ولا حتى الزيادات المحلية الرسمية من رسوم وخلافه، ولا حتى ترشيد الدعم، فبالاضافة لكل هذه الاسباب الصحيحة لاشك ان لطمع وجشع البعض من التجار وسائقي المركبات والمرابين والمحتكرين والسماسرة سبب ودور مؤثر في هذه الزيادات المضطردة في كل شئ وكل سلعة، وهكذا فإن الحكومة تكون حاضرة عند كل سبب للزيادة وتبقى مسؤوليتها قائمة عند كل حالة، ذلك بحكم مسؤوليتها عن حياة الناس ومعاشهم،

ولأن الحكومة (عاملة نايمة) ولم تتحرك لبذل أي جهد لتخفيف معاناة الناس ولو باضعف الايمان بأن يكون لها جهد رقابي على الأقل، سنتوجه بهذه الحكاية المروية عن سيدنا عيسى بن مريم عليه السلام لكل جشع وطماع ومرابي علهم يعتبرون ويتعظون..والحكاية تقول أن سيدنا عيسى كان في سفر وبصحبته رجل من اليهود وكان معهما ثلاثة أرغفة من الخبز، ولما أرادا أن يتناولا طعامهما وجد عيسى أنهما رغيفان فقط، فسأل اليهودي أين الرغيف الثالث، أجاب والله ما كانا إلا إثنين فقط. �لم يعلق نبي الله وواصلا سيرهما حتى أتيا رجلا أعمى فوضع عيسى عليه السلام يده على عينيه ودعا الله له فشفاه الله ورد عليه بصره، فقال اليهودي متعجبا سبحان الله وهنا سأله عيسى مرة أخرى بحق من شفي هذا الأعمى ورد عليه بصره أين الرغيف الثالث، رد اليهودي والله ما كانا إلا اثنين. واصلا السير وأيضاً لم يعلق سيدنا عيسى على الموضوع حتى أتيا نهراً كبيراً،

فقال اليهودي كيف سنعبره فقال له النبي قل باسم الله واتبعني فسارا على الماء، فقال اليهودي متعجباً سبحان الله وهنا سأل عيسى صاحبه مرة ثالثة بحق من سيّرنا على الماء أين الرغيف الثالث فأجاب والله ما كانا إلا اثنين، وكالعادة لم يعلق سيدنا عيسى إلى أن وصلا الضفة الأخرى، جمع عليه السلام ثلاثة أكوام من التراب ثم دعا الله أن يحولها ذهبا، فتحولت إلى ذهب، فقال اليهودي متعجباً سبحان الله لمن هذه الأكوام من الذهب فقال عليه السلام الأول لك، والثاني لي، ثم سكت، فقال اليهودي والثالث فقال عليه السلام الثالث لمن أكل الرغيف الثالث، فرد اليهودي بسرعة أنا الذي أكلته فقال سيدنا عيسى هي كلها لك، ومضى تاركاً اليهودي غارقاً في لذة حب المال والدنيا.

فلم يلبث اليهودي مع الذهب إلا قليلاً حتى أطل عليه ثلاثة فرسان، فلما رأوا الذهب ترجلوا، وقاموا بقتله شر قتلة فمات المسكين تاركاً الذهب.. بعد أن حصل الفرسان الثلاثة على الغنيمة بدأ الشيطان يلعب برؤوسهم جميعاً، فدنا أحدهم من أحد صاحبيه هامساً في أذنه لم لا نأخذ أنا وأنت الأكوام الثلاثة بدلاً من توزيعها على ثلاثة، فقال له صاحبه فكرة رائعة فنادوا الثالث وطلبوا منه ان يذهب للبلدة ليشتري طعاماً يتناولونه قبل الانطلاق، فوافق ومضى لشراء الطعام وفي الطريق حدثته نفسه بالتخلص من رفيقيه والاستئثار بالذهب كاملاً فقام بتسميم الطعام وهو لا يعلم المكيدة التي دبرها له صاحباه اللذان استقبلاه عندما رجع بطعنات قاتلة أماتته في الحال، ثم أكلا الطعام المسموم فما لبثا أن لحقا به وماتا.

وعندما رجع نبي الله عيسى في طريق عودته وجد أربعة جثث ملقاة على الأرض وأكوام الذهب الثلاثة مكومة على حالها، فقال هكذا تفعل الدنيا بأهلها فاعبروها ولا تعمروها فهل تعتبرون أيها الجشعون..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.