للعطر افتضاح |د. مزمل أبو القاسم بالساحق والماحق

0

ثلاثمائة وخمسة وخمسون مليون دولار، وفوقها سبعون أخرى، سيسددها السودان الفقير المُحتاج المُعدم، مُكرهاً ومُضطراً، لأغنى دولةٍ في العالم، سعياً منه إلى إزالة اسمه من قائمة الدول المغضوب عليها من الحكومة الأمريكية، بعد أن عمَّر فيها أكثر من عشرين عاما.

* اقتطع أهل السودان تلك الأموال الطائلة من لحمهم الحي، فخرجت مضرَّجةً بدمائهم القانية، وتسببت في تدمير قيمة العُملة الوطنية، وتخريب الاقتصاد المنهك، ورفع معدلات الفقر والبطالة والغلاء والتضخم، وأدت إلى انعدام الأدوية في المستشفيات والصيدليات، وتطاول صفوف الوقود والخبز بالكيلومترات، وفِي انقطاع التيار الكهربائي عن الدُور والمكاتب والمصانع ساعاتٍ طويلةً كل يوم.

* سيدفع السودانيون ذلك الثمن الباهظ على حساب قوتهم وصحتهم ودوائهم وحليب أطفالهم، تكفيراً عن جرائم لم يرتكبوها، ولم تثبت مشاركة أي سودانيٍ فيها، فهل يفي الرئيس الأمريكي بوعده لهم، ويرفع عنهم بلاء عقوباتٍ فرضتها عليهم بلاده.. بلا ذنبٍ جنوه؟

* ستبقى تلك الجزية الظالمة المُكلفة المُوجعة وصمة عارٍ في جبين الإنسانية قبل الحكومة الأمريكية، وستظل شاهداً للتاريخ على ظلم (اليانكي) وجوره وجبروته وطغيانه وانتهازيته وقسوته على الشعوب الفقيرة المحرومة من أبسط مقومات العيش الكريم.

* صدق شاعرنا الفذ محمد طه القدال عندما كتب في قصيدته الشهيرة (مسدار أبو السُّرة لليانكي): “شِنْ فايدة مديدة الحِلبة والويقود بشيلو اليانكي.. يا أبو السُّرة قامت من دخاخين العمى تلمِّع وشيها.. كان اليانكي مُستنيها.. في مراية السجم في الليل لقيتها مِتِل فِريخ الطير.. والناس التِحت خابرين عمايل اليانكي”.

* توقع أهل السودان أن تبادر أمريكا برفع عقوباتها اللعينة عنهم بمجرد نجاحهم في إزاحة النظام البائد، وتوهموا أن سيدة العالم ستكافئهم على ثورتهم الظافرة، وجرأتهم النادرة، وشجاعتهم الباسلة، وستثمن تضحياتهم وسعيهم إلى انتزاع حريتهم، وإصرارهم على ترسيخ دعائم الحرية والديمقراطية في بلادهم، فأصرَّت على ابتزازهم، وأبقت سيف العقوبات اللعينة مسلَّطاً على رقابهم، وفرضت عليهم أن يشتروا رضاها خصماً على معاناة فقرائهم، وقوت أبنائهم، وأن يقتطعوا التعويضات الباهظة من لحومهم بطريقة شيلوك المُرابي، لتصلها مختلطةً بدماء ملايين الفقراء والمحرومين.

* أي عدالةٍ تلك، وأي منطقٍ، وبأي قانون يتم إلزام السودان الفقير المُعدم بأن يشتري رضا أغنى وأقوى دولة في العالم وهو في أشدِّ حالات فقره وضعفه؟

* ما علاقة السودان بتفجير المُدمرة كُول، وما علاقة أهله بتفجير البُرجين، وما صلته بتدمير سفارتي سيدة العالم في نيروبي ودار السلام، كي يتم إيداع فواتير تلك الجرائم الإرهابية على طاولته الخاوية، ويُلزم بسدادها من خزينته التي تُعاني من قِلِّة الفئران؟

* إن كانت تلك عدالتهم فسُحقاً لها، ولعنة الله تتنزَّل عليها في الدارين.

* عن أي حقوقٍ للإنسان يتحدث الأمريكان، بعد أن انتهكوا حقوق الملايين من فقراء السودان، وساموهم سوء العذاب عِقدين متتاليين، قبل أن يكلفوهم سداد ما لا طاقة لهم به، ويفرضون عليهم أن يبقوا منهكين ومعدمين وجوعى، بلا ذنبٍ جنوه؟

* سيدفع أهل السودان تلكم الفاتورة الموجعة المُكلفة لأمريكا المترفة الظالمة المستبدة المتوحشة، وهم يعانون من كوارث السيول والأمطار التي دمرت دُورهم وأتلفت مدارسهم، وفرضت عليهم أن يفترشوا الأرض ويلتحفوا السماء.. سيدفعونها وهم يشكون أوجاع الحمى النزفية التي فتكت بأهل الشمال، من دون أن يعبأ العالم بهم، أو يسارع إلى نجدتهم.

* ستسدد تلكم الجِزية خصماً من رصيد فقراء الشرق وما أكثرهم، ومشردي الغرب ونازحيه ولاجئيه وما أشقاهم.. وستحرم من لا يجدون الغذاء والدواء والكِساء، لتذهب إلى من لا يحتاجونها، بحكم القوي على الضعيف، وبقانون (أب تكّو)، وبأمر عدالةٍ عرجاء، تسود عالماً يخلو من الرحمة، ويعوزه العدل والإنصاف.

* كل دولارٍ يخرج من بلادنا المنكوبة ويدخل حساب المترفين الأمريكان سيأتيهم مصحوباً بلعنات الملايين من فقراء أهل السودان، ليثبت ظلم الإنسان لأخيه الإنسان.

* سنشتري رضاهم بآلامنا، ونتقي جورهم وقسوتهم وعقوباتهم بأوجاعنا، وندعم ترفهم بفقرنا، قبل أن نرفع أيادينا إلى الخالق الديَّان، داعين أن تدخل عليهم أموالنا (بالساحق والماحق والبلا المُتلاحق).. قادر يا كريم.

الـحـريـة نـيـوز

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.