اخبارمقالات الرأي

هل الصراع في السودان (محلي _محلي)؟

إن مسألة وحدة السودان وقوته والسلام لجميع أهله وفرص ازدهاره مستقبلا كل ذلك مترابط مع بعضه أشد الترابط، وعكس ذلك مترابط أيضا، تفكك السودان والحرب والفقر وموت فرص التقدم مستقبلا مترابط أيضا، تاريخ الصراع في السودان كله يدور حول هذه المسألة تحديدا.

 

المستعمر فهم هذه المعادلة وهو صانعها أصلا، فذرع كل بذور تعزيز فرص الصراع في السودان ومدخله كان هو التقسيم العرقي لمجموعات السودان وتصنيفها وفق سرديات نزاعية محلية، منذ هارولد ماكمايكل الذي صنف السودانيين قسرا لمجموعات بطريقة (علم الحيوان) لا بطريقة علم الاجتماع والتاريخ، ثم تبنت نخبة السودان ذات المنطق في الصراع والمعارضة للدولة، تلك التي أضعفت سلطتها العمومية وفشلت قيادتها في تنفيذ ما يمكنها من الاستمرارية بشرعية، استمر هذا المنطق الدائري من النزاع (محلي-محلي) والصراع في كل تاريخ السودان.

 

لن يوجد سلام وازدهار وقوة دون وحدة ودون تآزر مجموعات السودان وجغرافياته مع بعضها البعض، التاريخ أثبت ذلك ببساطة بعدة أحداث، مثلا انفصال الجنوب لم يعقبه سلام بل استمر المنطق واستمرت الحروب تغذيها عقيدة العرقيات والقوميات والنزاعات المحلية التي يتحول فيها العدو كله لخصم محلي.

 

لا يوجد دليل منطقي ولا عقلي ولا تجريبي لحدوث سلام في حال التفكك، من يوعدون الناس بالسلام في حياة جديدة تجمع أهل الدولة مع إخوتهم وأبناء عمومتهم يتخيلون كأن السياسة المعاصرة هي سياسة قبل ألف سنة، هذا العالم لا يوجد اليوم ولا يوجد تحديدا في هذه الجغرافيا.

 

إنهم يهربون للأمام بنوايا حسنة، والطريق للجحيم مفروش بأصحاب النوايا الحسنة أحيانا، الذين يقودهم عملاء أو أشخاص مصابون بطموح مرضي. المسألة ببساطة والصراع هو صراع مركب وفهمه يحتاج لتركيب المحلي مع غير المحلي.

 

عدو السلام وصانع الفقر والحروب هو نفسه من يؤجج فهم الصراع على أساس العرق، ويمهد للتفكك وينشر فكرة الصراع (المحلي _المحلي) وبالتالي فإن نصر السودان يكمن في تآزر مجتمعاته وتماسك كيانه الكلي، هزيمة السودان في تقطع أوصاله وتشرذمه. من يبحث عن نصر غير هذا ومن يرى هزيمة غير هذه فهو حالم.

 

التركيب الضروري لفهم القضية، هو أن استغلالا معينا يحدث لمسألة التنوع المحلي في السودان فيتم طرحها ضد الدولة، وكأن السودان متنوع تنوعا متضادا متعارضا لا سبيل لتعايشه، والسودان أقل تنوعا من دول كثيرة تحيا بسلام وتزدهر يوما بعد يوم. أيضا طموح النخبة المحلية وثقافتها العاجزة تغذي الصراع وتجد الدعم من الخارج في سبيل ذلك، تتجمع هذه العناصر المحلية والخارجية لتشكل مشروعا واحدا ضد السودان يتخذ ألوان شتى، حركات مسلحة مثل جون قرنق وعبد الواحد النور والحلو، تمردات ومليشيات مثل الدعم السريع، حركات عرقية ونزعات انفصالية في الشرق والشمال، وغيرها كثير وكل جهة تغذي الجهة الأخرى، وهكذا يضيع الفهم التركيبي لصالح فهم تسطيحي لمحلي مقابل محلي.

نحتاج للوعي والحوار والصبر وتفهم المخاوف، فجزء من هؤلاء نيتهم حسنة ومخاوفهم وعواطفهم تحركهم بجانب الجهل والسذاجة، هذا الجزء يحتاج للحوار والتفهم والمناقشة في حدود معقولة فمن حقه أن يعبر عن قضيته. جزء آخر منخرط بشكل عملي وبنية ضد السودان تحركه أحقاد أو مصالح ضيقة أو تحالفات مشبوهة أو طيش نرجسي غير مسؤول وهؤلاء يجب أن يأتي وقت حسابهم.

بقلم هشام الشواني

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى