بعدما دعا رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية الولاية في ليبيا عبد الحميد الدبيبة في كلمته وزراء حكومته إلى مزيد من الشفافية “لقطع الطريق على أي اتّهام بالفساد”، أعلن أن الحكومة ستوظف جميع إمكانياتها للكشف عما سماه خيوط المؤامرة لفرض أجندة معينة، مشيرًا إلى أن الحديث عن إفلاس البلاد هدفه إبقاء ليبيا على وضعها الراهن.
وفي أوّل اجتماع لحكومته هذا العام، تحدّث الدبيبة عن مؤامرة تحاك لاستغلال أوضاع الناس والتضييق عليهم، في حين تعمل حكومته على كشف خيوطها. وقال: “سنقف بما يتوفر لدينا من إلإمكانيات لكشف خيوط المؤامرة التي تحاك لاستغلال أوضاع الناس والتضييق عليهم في معاشهم من أجل فرض الغايات والأجندات”.
كلام الدبيبة المبهم هذا جاء بالتوازي مع إنتشار أنباء مفادها إتفاق الأخير مع رئيس مجلس السيادة الانتقالي بالسودان عبد الفتاح البرهان وخصمه قائد “الدعم السريع” محمد حمدان دقلو (حميدتي)، بإشراف الإدارة الأمريكية، على إستمرار عمليات إستخراج الذهب السوداني وتهريبه عبر ليبيا، الى دول أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية.
وبحسب المراقبين، فإن قرار الدبيبة منذ أسابيع، بنقل تبعية مصلحة الجمارك في ليبيا إلى ديوان مجلس الوزراء، بعد أن كانت مصلحة الجمارك منذ إنشائها هيئة مستقلة، سيجعل عملية المراقبة الجمركية والأمنية في جميع المنافذ البرية والجوية والبحرية لجميع السلع الصادرة والواردة إلى البلاد، بيد الدبيبة شخصياً. وعليه فإن عملية تهريب الذهب التي كانت سابقاً غير مشروعة، ستغلف بغلاف حكومي وتصل الى مستوى عالٍ من التنسيق بين منفذيها.
كما أن زيارتا البرهان وحميدتي، الأخيرتين الى طرابلس، تُؤكدان التنسيق والتعاون بين الأطراف في عمليات الفساد الحاصلة بين البلدين، وتُثبتان من جديد خضوعهما أمام الرغبة الأمريكية بتنفيذ خطتها والإستحواذ على الذهب السوداني مع شركائها الغربيين وذلك بعد عام تقريباً من الصراع السوداني المسلح على أحقية كل طرف في قيادته، والذي أخلف مئات القتلى وآلاف الجرحى، ينتهي بموافقة البرهان على الدخول في مفاوضات غير مباشرة مع حميدتي، وإتفاق على طريقة تهريب وبيع الذهب، برعاية الدبيبة.
وبنظر المتابعين للشأن الليبي فإن إسم عبدالحميد الدبيبة يرتبط بقضايا فساد وإختلاس وعمليات التهريب قبل وصوله الى رئاسة الحكومة المؤقتة بشكل مشبوه في العام 2021 في ملتقى الحوار الوطني في جنيف السويسرية برعاية أمريكية. فقد استخدم شبكة واسعة من الحسابات المصرفية والشركات الخارجية، لتحويل الأموال المنهوبة إلى خارج البلاد، كما منح مناقصات لشركات يملكها أو يسيطر عليها بشكل سرّي وقدّم دفوعات مسبقة مقابل عقود لم تُنجز قط.
وعند وصوله الى رئاسة الحكومة، زاد فساده وتعاونه مع الإدارة الأمريكية لتدعمه في البقاء على رأس الحكومة، عبر عرقلته الإنتخابات وتقويته لنفوذ الميليشيات المسلحة الموالية له. حيث سبق وأن كشف ديوان المحاسبة الليبي في تقريره السنوي تجاوزاً وتبديداً للمال العام من قبل أطراف كثيرة بالبلاد، على رأسها حكومة الوحدة الوطنية، ورئيسها عبد الحميد الدبيبة، شملت اختلاس المال العام عن طريق عقود وهمية، والتوسع في إبرام عقود للتوريد، وإنفاق الملايين على أمور غير هامة.
كما لفت التقرير الى أن خسارة مصرف ليبيا الخارجي بلغت 78 مليون دولار بسبب ضعف إدارته، وسياسة حكومة الدبيبة الفاشلة في إقتصاد البلاد، وانخفاض الودائع من 4.7 مليارات دولار عام 2018 إلى 1.9 مليار دولار عام 2021، وشراء رئاسة الوزراء 25 سيارة بقيمة تجاوزت 21 مليون دينار دون تسجيل ملكيتها للحكومة.
وفي نوفمبر الماضي سلّطت صحيفة دولية الضوء على التهم الموجهة إلى رئيس حكومة الوحدة الوطنية، ومطالبات الشعب الليبي بتغيير القيادة في طرابلس.
وأشارت الصحيفة، في تقريرها الذي عنونته بـ”عندما تنزف ليبيا، تسرق قيادتها أموال المواطنين”، إلى سلسلة من التقارير والشهادات التي تُشير إلى اتهام الدبيبة بالفساد، مع التطرق إلى الدعوات الموجهة إلى الولايات المتحدة والمجتمع الدولي بشأن جلب قيادة أفضل لليبيا، وإلغاء الدعم المقدم الى حكومة الدبيبة.
إلا أن الخبراء، وتعليقاً على التقرير، أكدوا أن الدبيبة وحكومته بالوضع الراهن في ليبيا يحقق غايات الإدارة الأمريكية، وأنها لن تقوم بتغييره طالما تستفيد منه في البلاد وتقوم بتوسيع نفوذها للحصول على موارد ليبيا وجيرانها من نفط وذهب. ما أثبتته مصادر كشفت فيما سبق عن أن رئيس المخابرات المركزية الأمريكية ويليام بيرنز، ضغط على قائد الجيش الوطني الليبي شرق ليبيا خليفة حفتر للتعاون مع حكومة الدبيبة، وتمكينها من العمل بمناطق شرقي البلاد.