الحاج حامد يكتب .. “مشاهد من ذاكرة القرية “

0

الميرم : الحاج حامد

سرى الخبر سريان النار في الهشيم اليابس، أضطرب أهل القرية و زلزلوا زلزالا شديدا، تعالت أصوات النساء و ملأ الخوف أجوافهن حتى فاضت و انتشرن بصورة هستيرية يجرجرن ثيابهن نحو المدارس ليطمئنن على فلذات أكبادهن و كم تمنت كل واحدة منهن أن تبتلع (جناها) مرة أخرى و تتحسسه كل حين لتحميه من تلك الكارثة الوشيكة الوقوع.

تجمهر الرجال بميدان الحرية و فاضوا جنوبا ناحية حامية الجيش التي تنتصب قائمة كالجدار الذي يفصل بين الأمن و الخوف، يلجأ الناس إليها حين ينسرب الخوف من خلال المسام ، الجنوب ليس سوي إحدى الجهات الجغرافية الأربعة و لكن لوثت سمعته لعنة الحرب الكريهة و أصبح مصدر الخوف و الخطر بالنسبة لسكان تلك القرية التي يربطها معه وشائج قربى المكان و المصاهرة و المصالح .

انها مأساة فشلت فترات حكمنا الوطني في الاعتراف بالتنوع و إدارته.. و هذه حقيقة . السياسة البائسة في بلادنا و لكن حقائق الطبيعة تنطق بأن الجنوب أقل ما يقال عنه جنة الله في الأرض، تظللك غابات السافنا الغنية بظلها الظليل و تروي ظمأك انهار بحر الغزال و الزراف و روافدهما و يطربك إيقاع نقارة (الدانج) الشجي. تعامل الجيش كالعادة باحترافية عالية ليخفي التشوهات التي أصابت الجدار، أضفي على تحركاته صفة الإجراء الروتيني العادي ليبث الطمأنينة في النفوس الهائجة التى مزقت الحرب حجب استقرارها النفسي و الاجتماعي و الاقتصادي، لم تكسر هذه الحيلة طوق الهلع الذي لف القرية و ظل الجميع في حالة استعداد و ترقب و انتظار للهجوم القادم، و زاد من حدة توتر الجو تلك الشائعات الكثيفة التي غطت سماء القرية حول العدو و إمكانياته الضخمة، على اي حال نمنا تلك الليلة نوم الديك في الحبل و استيقظنا على بطولات مشائخ القرية الذين (حجبوها) من كيد الأعداء الذين جاءوا بخيلهم و خيلاءهم ووجدوها قناطير من تراب و لم يجدوا الي أهلها سبيلا و ارتاحت نفوسنا الي تلك الروايات و استأنفنا حياتنا من جديد.

نوفمبر /٢٠١٩م

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.