اخباراقتصادمقالات الرأي

بصل تريليونات وتحدي الامتحانات وبيان الإمارات 

 أكتب اليوم سادتي على طريقة (لبن سمك تمر هندي) وهو قولٌ سائدٌ سائرٌ شائعٌ يُستدل به على عدم التناسق والعشوائية ومحاولة المزج والتجانس بما لا يتجانس ومحاولات الجمع بين أشياء (معنوية) لا يمكن جمعها من شاكلة الأفكار والرؤي والموضوعات..
وفوق ذاك هو تحذير لعدم الجمع بينها (مادياً) على الرغم من أن الدراسات الحديثة أثبتت أن حدوث أضرار بسبب تناول السمك مع اللبن ما هو إلا (كذبة كبرى) إلا لمن يتحسّس من أحدهما فيصدق المثل بعد أن تحلي بالتمر هندي..
واللبن المقصود في المثل ليس هو لبن أهل الخليج وبلاد الشام بل هو لبن لهجة السودانيين فلبنهم هو (الزبادي) المشروب على الرغم أن كلمة حليب المستخدمة هناك متعلقة بعملية الحليب أو الحلب ومنطوق اللبن التي نستخدمها من آيات القرآن الكريم واضحة تماماً في سورة النحل (وإِنَّ لَكُمْ فِى ٱلْأَنْعَٰمِ لَعِبْرَةً ۖ نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِى بُطُونِهِۦ مِنۢ بَيْنِ فَرْثٍۢ وَدَمٍۢ لَّبَنًا خَالِصًا سَآئِغًا لِّلشَّٰرِبِينَ) ..
لكن أطمئنكم سادتي أن هذا البوح وعبر هذه المساحة وإن كان عنوانه كما رأيتم لن يتسبب لكم في (عسر هضم) وإني لأرجو أن يكون خفيفاً عليكم
فوجئ متابعو الأخبار بقرار محافظ البنك المركزي الذي ألغي بموجبه تكليف اللجنة الفنية العليا بمهمة حرق وإبادة العملة المُستبدلة وقضي القرار بتسريح (كل أعضاء) اللجنة السابقة وتعيين لجنة جديدة..
السبب في القرار أن أعضاء اللجنة (غير الموقرين) عمد بعضهم (لإعادة تدوير) ما استؤمنوا عليه من أموال وبدلاً من تنفيذ الحرق للعملات القديمة المعدة (بجوالات) تسربت بضعة ملايين (وأفلتت من الحريق) لصالحهم ويبدوا أنه استكثروا عملية الحرق (خاصة فئة الألف جنيه)..
لكم أن تتخيلوا أن هذا ما حدث بالفعل وسبب القرار الصادر والسؤال الملح كيف يعيّن مثل هؤلاء أصلاً في لجنة تتطلب قوياً أميناً بحق وحقيقة بدلاً من تعيين ضعاف نفوسٍ لا يقاومون مثل هذا الفعل الشنيع ليصبح (حارقها حراميها)..
يبدو أن البعض لم يتعظ بما حدث في السودان من حرب تتطلب إعادة صياغة السلوك وتقييم وتقويم الأخلاق لأن بعضاً مما لحق بالسودانيين من جراء ذلك
كان ترند السودان خلال اليومين الماضين في الميديا هو البصل بلا منازع أو منافس حيث راج على نطاق واسع وجود مبلغ أحد عشر تريليون جنيه سوداني لدى تاجر بصل بمدينة الدامر (يعني واحد ويمينه 18 صفر)..
التاجر التريليونير لم يذكر اسمه ولكن وثقّت الكاميرات التي (لا تكذب) آلاف من أوراق العملات من كل الفئات المتكدسة بمنزله بما يساوى 3% من ميزانية السودان العام 2022م في حدث فريد ربما لا يوجد مثيله في كل دول العالم..
مضى الناس يتحدثون عن سر البصل (الباتع) الذي يجعلك بمثل هذا الغنى الفاحش تنافس أغنياء العالم ولربما كان الرجل في القائمة التي تضم بيل غيتس وأصحابه في نادي الأغنياء.. لكن الثابت أن كل ميسر لما خلق له فهناك المئات الذين أوردهم البصل المهالك وأدخلهم السجون ويتذكر الناس جيداً كيف أطلق البعض (البهائم) ترعى محصول بصلهم بسبب أن تكلفة انتاجه لا توازي ربع سعر بيعه..
وما نجح فيه فلان لا يصلح فيه علان ولكن تقليد السودانيين المعلوم المتوارث لا يتغيّر فكل مشاريعنا كوبي بيست من الغزالتين والزرافتين والحمامتين (والبصلتين) وإلى سيقا وويتا وهذه ليس دعاية فقد كفاني بيتر الدعاية والترويج خاصة لمصنع ويتا
يجلس أبناؤنا طلاب الشهادة السودانية المؤجلة من 2023م لامتحاناتهم التي بدأت أمس السبت وقد بلغت أعدادهم حوالي 344 ألف طالباً وطالبة وهم الذين فقدوا من أعمارهم التعليمية عاماً ونصف تقريباً..
لاقى كثيرٌ منهم قساوة الحرب وتراجيديا النزوح واللجوء والتشرد وذاق مرارة البعد عن بيوتهم ومراتع صباهم ومدارسهم هذا غير الأذى النفسي وهم يشاهدون عبر الميديا وقائع حرب الجنجويد الوحشية الذين لم يتورعوا عن كل منكرٍ وقبيح..
إقامة الامتحانات فيه رسالة أنه يمكن وفي ظل الحرب تطبيع جزء من الحياة بدلاً من رهنها بنهايتها سيما وأن النسبة الأكبر من الطلاب البالغة قرابة 70% يجلسون للامتحانات (وما لا يدرك كله لا يترك جله).. فيه رسالة تحدّي للأعداء في حزب المليشيا وحلفها البغيض أن محاولاتهم وقف الحياة وتدميرها وإرجاع السودان للعصر الحجري لم تنجح ولن تنجح وسيكتب أبناءنا بأقلامهم على دفاتر الإجابات أن السودان عصي وأكبر من التآمر وأكبر من الكيد الخارجي متحالفاً مع التآمر الداخلي..
سيكتبون أن السودانيين كما نجحوا في امتحان الصبر والمصابرة والمرابطة والوقوف في خندق القوات المسلحة الباسلة سيكتبون النجاح وينتزعونه من بين (براثن) الخور والضعف والمعاناة..
سيتفوقون على مرارات الحرب وظلاماتها ويشعلون قناديل النور تبدّد هذه الظلامات ويكتبون للسودان فجراً وفخراً بأبنائه الخلّص.. كل الدعوات لهم بالتوفيق والنجاح
صدر أمس بيان من كفيل التمرد وحلفه السياسي بلغة غريبة عجيبة تنبيك أنه صادر من (جهةٍ أخرى) غير التي أصدرته مجسّداً المثل المصري المعروف الذي يتحدّث عن (قتل القتيل ثم المشي في جنازته) بل والصلاة عليه..
البيان لا يحمل ذرة من أخلاق ولا مروءة ولا شجاعة في الدفاع عن (المواقف) وإن كان هذا مراً وتعدّى كل ذلك في (بجاحة وصفاقة) لا تخطئها العين في محاولة فاشلة لذر الرماد في العيون والنأي عن (الشراكة) في جرائم قتل السودانيين بالمسيّرات ونهب ممتلكاتهم واغتصاب حرائرهم..
القاصي والداني في كل هذا العالم يدرك حجم الدعم المهول الذي يقدّم لمليشيا آل دقلو الإرهابية أموالاً وسلاحاً وعتاداً وإعلاماً وملاذاً آمناً اعترفت به الدولة للإدارة الأمريكية مؤخراً.. وقد صرّح بذلك منسق الرئيس بايدن للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في رسالة بعث بها للكونغرس قائلاً
The United Arab Emirates is not providing – and will not provide – weapons to the paramilitary Rapid Support Forces (RSF) in Sudan.
أضاف بأن إدارة الرئيس بايدن ستراقب ذلك وستقدّم في السابع عشر من يناير القادم تقريراً عن مصداقية تلك التعهدات..
إذن كيف يستقيم تسجيل اعتراف للحيلولة دون فرض عقوبات من قبل الولايات المتحدة ثم الخروج بهكذا بيان وكأنه يخاطب (خبلاً ومجانين)..
البيان يتحدث بأسلوب يمالي المليشيا في تقديم ذكرها على الجيش السوداني ويلوم القوات المسلحة بالقول أن (غيابها عن محادثات السلام الأخيرة التي شاركت فيها دولة الإمارات إلى جانب عدد من الدول والمنظمات الإقليمية والدولية يعد تجاهلاً صارخاً لمعاناة الشعب السوداني الشقيق)..
شقيق؟؟؟ والله هذه (ثالثة الأثافي) وضعوا عشرين خطاً تحت معاناة الشعب السوداني.. أنتم من خلق هذه المعاناة ومن يصر على استمرارها قتلاً وتهجيراً وتشريداً منذ نحو من عشرين شهراً وبعد ذلك تصرون على حضور الحكومة محادثات هي جزءاً منها والله لعمري (إن هذا في القياس بديع) ثم بعيد..
هذا في حد ذاته تدخّل سافر في الشؤون الداخلية وتعدّي على السيادة الوطنية.. بخلاف التدخّل الأكثر سفوراً بالقول (أن الحوار والتفاوض هو السبيل الوحيد لإنهاء الصراع وتأمين عملية سياسية وإجماع وطني نحو حكومة بقيادة مدنية)..
مالكم ومال أهل السودان وعملية سياسية ولا عسكرية؟؟ حكومة مدنية ولا شيطانية؟؟ هذا أمر لا يخصكم مطلقاً البتة ومتروك (للسودانيين فقط) تقدير ذلك وتقريره عبر الآليات التي يرتضونها دونما إملاء من أحد.. أما أنتم فكفوا أيديكم عنا وأوفوا بالتزاماتكم (للعم سام) فيوم السابع عشر من يناير ليس بعيداً.. وصحيح الاختشوا ماتوا.
اللواء الركن (م) أسامة محمد أحمد عبد السلام

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى