السودان: حسين خوجلي يكتب: الآنسة كورونا تكسر حظر التجوال بالخرطوم

0

عندما سمع الراحل البروفيسور علي المك الفنان الشجي الصوت حمد الريح يتغنى برائعة صديقه صلاح أحمد ابراهيم “ماريا” تلك الصقلية التي أحبها صلاح في مؤتمر صوفيا للشباب في الستينات. وكنت أنا شخصيا أظنها محض خيال شعري حتى دخل عليّ يوما القاص خوجلي شكر الله الذي أصبح شيخا بلحية بيضاء ورئيسا لجمعية القرآن الكريم، وكان أيضا من أصدقاء صلاح ورفيقه في مؤتمر الشباب بصوفيا وأهداني صورة فوتوغرافية أصل يقف فيها صلاح احمد ابراهيم وخوجلي شكر الله وفي رفقتهم ماريا وكانت فتاة بائنة الحسن والبهاء.
والصورة المتداولة الآن في الأسافير هي هدية القاص الذي يبدو فتياً وسيم الطلعة بشلخه النقرابي الشهير رحم الله الجميع وأحسن مثواهم ووفادتهم.
قال علي المك معلقا على أغنية ماريا ( أن حمد الريح حولها إلى سودانية بفصود ود عيسى وألبسها أبو قجيجة وأركبها معدية توتي). وجلجلت ضحكته المدوية في الآفاق واستغرب أن حمد استبعد المقطع الذي كان يعتبره بيت القصيد:
يا مريا
أنا من إفريقيا صحرائها الكبرى وخط الاستواء
شحنتني بالحرارات الشموس
وشوتني كالقرابين على نار المجوس
لفحتني فأنا منها كعود الأبنوس

مر بخاطري تعليق علي المك الدرامي عن ماريا النسخة الأوروبية والنسخة السودانية وأنا أتأمل في جائحة فيروس كورونا التي بدأت تستشري في بلادنا باعداد مخيفة، لا نستطيع أن نتقيها لا بالدواء ولا بالغذاء. فإن لزم الناس بيوتهم قتلهم الضجر والجوع وإن خرجوا اصطادتهم الجائحة اللعينة.
ولأن هذا الداء بلا دواء حتى الآن فإني اقترح تسويق نسخة سودانية للآنسة كورونا، فالنسخة المتداولة الآن هي نسخة الآنسة كورونا الأوروبية بتيشيرت ارجواني اللون وبنطلون جينز وحقيبة مكياج مع بطاقة ائتمانية وعطر باريسٌي عميق. فإن اشتكت من حمى عارضة جاؤوها حالا باسعاف كامل الاستعداد، وطاقم طبي متكامل، وفحص سريع بابتسامة، ومرقد في فندق أنيق فاخر إن كانت النتيجة ايجابا.
فكيف بكورونا السودانية التي تبتدئ صباحها بصف الخبز، وتظاهرة المواصلات، وميدان الغاز، وانقطاع الماء والكهرباء، والغلاء الذي يتجاسر على الأنفس قبل الجيوب.
ولقد هالني تقرير مصور بالفيديو لشاب سوداني في كندا حكى فيه بصدقية عالية حكاية اصابته بالكورونا فقد اعترف بأنه كان محتجبا بمنزله، وبزيارة عابرة لصديق سوداني انتقلت له العدوى.
وفي اليوم الذي عرف فيه النتيجة نقل حالا إلى فندق قريب، ورغم الحفاوة لم يجد عندهم حتى حبة باندول. وكانت اجابتهم المحبطة (يا سيدي استرح .. فلا دواء) أو باختصار عليك بانتظار القدر إما أن تحيا وإما أن تموت في أناقة. كل الذي فعله الفتى أنه استعان بالصبر والصلاة واتصل بالسودانيين في مدينته الكندية فأمدوه كرماً واعانة بالعسل الطبيعي، والقرض، والحبة السوداء، والقرنفل، والثوم، وصنع له غرغرة من الليمون والخل والماء الدافئ. وبعد اسبوع تماثل للشفاء واقتسم الوصفات السودانية مع ثلاثة شباب سودانيين عادت لهم عافيتهم ولله الحمد والمنة.
وحتى يجد الغرب المفضوح بعجزه والعالم الأول بلسم لدائه وخوفه، فعلى أطباءنا وعشابينا وخبرائنا التقليديين في التداوي أن يخرجوا علينا بالنسخة السودانية من الآنسة كورونا في مرحلة الوقاية ومرحلة العلاج دون أن تتوقف الحياة. كورونا السودانية بثوب سوداني بمواصفات أهلنا الشايقية:
العيون متل الفناجيل
والرقيبة قزازة عصير
والصدير داير تقارير
والضمير عاج التكارير
والزراق فوقها تقول حرير

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.