السودان: د. حسن محمد صالح يكتب: القوات الدولية وحالة الصمت

0

الذين يقولون ان علاقة السودان بالقوات الدولية ليست بالأمر الجديد هم محقون في قولهم لولا انهم اعتبروا ذلك مبررا لاستقدام البعثة الاممية تحت البند السادس بطلب من الحكومة المدنية على إثر الخطاب الذي بعث به السيد رئيس مجلس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك (في مطلع في ٢٧ يناير ٢٠٢٠م) يطلب فيه من المنظمة الدولية ارسال بعثة تحت البند السادس للمساعدة في بناء السلام والديمقراطية واجراء الانتخابات في كامل التراب السوداني. وبدء نقول الآتي:

أولا : وجود القوات الأممية في السودان سواء في جنوب كردفان أو قوات اليونميد في دارفور أو اليونسفا في منطقة أبيي أمر مختلف لأن اليونميد هي قوات أممية افريقية التكوين ومطعمة بقوات دولية من العديد دول العالم ومهمتها محددة هي مراقبة وقف اطلاق النار في دارفور وكانت اليونميد تنسق مع القوات المسلحة لدرجة انها كانت محل سخرية من قبل المواطنين وتعرضت اليونميد لكثير من الهجمات والنهب وقطع الطريق امام اطوافها العسكرية والادارية وتعرضت لخسائر في الأرواح والمعدات وظلت رهينة للوضع الامني في الاقليم ولديها بلاغات في محاضر الشرطة في دارفور ضد مجهولين (اعتدوا على مواقعها في غرب دارفور علي وجه التحديد) مما أثار الشكوك حول قدراتها ومهمتها الأساسية والمتمثلة في حماية المدنيين. ومع تحسن الوضع الأمني في دارفور طلبت الحكومة السابقة من اليونميد مغادرة السودان بعد شهادات وإفادات من مسؤولين غربيين بأن الأمن في دارفور آخذ في التحسن وأن دور الأمم المتحدة والدول الغربية يجب أن يتحول الى دور تنموي ودعم مشروعات لاستقرار النازحين وعودة اللاجئين الأمر الذي لم يحدث من قبل المنظمة الدولية التي لا تمنح السودان خردلة معونات في ظل العقوبات الامريكية كما حدث مع الفيتو الامريكي الخاص بدعم السودان لمواجهة جائحة كورونا مؤخرا.

وفي منطقة أبيي توجد قوات اثيوبية تحت امرة الاتحاد الافريقي للاشراف على اتفاقية ابيي الموقعة بين دولتي السودان وجنوب السودان.
ثانيا: البعثة الدولية المتوقع قدومها للسودان في مايو القادم لم تأت لمراقبة وقف اطلاق النار لكون الحكومة السودانية والحركات المسلحة لم يوقعا على اتفاق سلام حتي الآن علما بأن أي اتفاق للسلام بين الحكومة الانتقالية وحركات الكفاح المسلح المتحالفة معها لا يحتاج لمراقبة دولية باعتبار التحالف القائم بين الجانبين وطبيعة المحادثات المتواصلة في دولة جنوب السودان والتي تركزت حول قسمة السلطة بين الجانبين (في عضوية المجلس التشريعي وتعيين الولاة) وعليه فإن التفاصيل حول ما يعرف بالدمج وإعادة الدمج بين القوات يدخل في الجوانب الفنية والعسكرية والسودان له في هذه الجوانب باع طويل منذ اتفاقية نيفاشا مع امكانية الاستعانة بالأمم المتحدة في بعض الإجراءات خاصة وأن للأمم المتحدة لديها ممثل في محادثات السلام الجارية الآن بجوبا.
ثالثا: كما جاء في العديد من المصادر وبالمكشوف فإن البعثة السياسية القادمة للسودان مهمتها حماية حكومة الفترة الانتقالية (خلال فترة يتولي المكون السياسي رئاسة المجلس السيادي) باعتبار وجود مهددات تتمثل في النظام السابق والدولة العميقة والجيش والشرطة وجهاز الأمن وربما الدعم السريع مع احتمال وقوع انقلاب عسكري وهذا دليل واضح علي عدم ثقة السياسيين أو ما يعرف بالمدنيين (في الحكومة الانتقالية) في القوات النظامية القائمة الآن والتي لم يشفع لها انحيازها للشعب في ثورته ولا الاجراءات التي قامت بتنفيذها باعتقال رموز النظام السابق ولا الشراكة القائمة الآن بين المكون المدني والعسكري (بناءا على الوثيقة الدستورية الموقعة بين الجانبين) وتصريحات رئيس المجلس السيادي الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان ونائبه الفريق أول حميدتي: بأن التغيير الذي حدث في السودان في ١١ ابريل ٢٠١٩م هو تغيير حقيقي مع المضي قدما في تفكيك نظام الثلاثين من يونيو ومحاكمة منفذي الانقلاب العسكري من مدنيين وعسكريين وهم اليوم في انتظار المحاكمات في سجن كوبر . وهذه مخاوف موضوعية ومخاطر على الحكومة المدنية علي الرغم عن كونها حكومة فاشلة وغير قادرة على ادارة الفترة الانتقالية إلا ان حق الحياة مكفول لها حتى تنقضي مدة الإنتقال ولكن الحكومة الانتقالية ليس امامها خيار الا خيار الطبيب في حالة الولادة المتعثرة وهو بين خيارين اما ان يضحي بآلجنين ويترك الأم تعيش أو العكس وغالبا يلجأ الطبيب للخيار الثاني لأهمية الأم بالنسبة للأسرة والزوج مع امكانية انجابها اطفال غير الطفل الذي فارق الحياة وهو طفل معرض للموت في حالة فقده للأم التي تقوم بتربيته وهذا هو حال السودان مع البعثة الأممية والتي يمكن ان يؤدي وجودها الى ضياع السودان وتمزيقه وفي هذه الحالة لن تكون هناك دولة ولا ديمقراطية ولا انتخابات فقط دموع ونحيب وحسرة كما حدث لاخوتنا في العراق وليبيا واليمن وبصورة أعمق وأدهى وأمر
رابعا: الملاحظة الأخيرة في هذا الموضوع هي حالة الصمت المطبق حيال القوات الدولية أو البعثة الأممية كما يحلو للبعض.. فالسيد رئيس الوزراء (صاحب الجلد والرأس) حول هذا الأمر لم يخاطب الشعب السوداني حول هذه البعثة اما وزارة الخارجية تتحدث عن اعتماد سفراء السودان لدى دول العالم من غير ان يفتح الله عليها بكلمة واحدة حول هذه القوات. وكذا الحال بالنسبة لرئيس مجلس السيادة القومي.. لم يتطرق الفريق الركن عبد الفتاح البرهان في لقائه مع تلفزيون السودان مؤخرا لهذا الموضوع لا من قريب ولا من بعيد وهو موضوع كبير وخطير متعاظم الاهتمام به لدى الرأي العام السوداني الذي يدرك ويتابع ما يثار حول قوات أممية قادمة للسودان وفي مايو من العام ٢٠٢٠م (هذا ما يقوله الناس في مواقع التواصل الاجتماعي وما يقرأونه استنادا لوسائل الاعلام الغربية) أما في الداخل لا تعليق لا حديث من جانب المسؤولين. وكان يجب ان يقال الكثير في ظل الرفض الواسع لحضور هذه البعثة صراحة وتلميحا كما جاء في لقاء الإمام الصادق المهدي مع القياديين الإسلاميين أحمد عبد الرحمن َمحمد وعثمان خالد مضوي وقد أكد اللقاء على أن البلاد تمر بمرحلة خطيرة من تاريخها. وهناك بيان للبروفسير إبراهيم غندور رئيس حزب المؤتمر الوطني المحظور يعتبر فيه وصول هذه البعثة انتهاكا لسيادة السودان واستقلاله وكذا الحال بالنسبة للمؤتمر الشعبي والعديد من القوى وكتاب الرأي والناشطين الذين يدعون القوات المسلحة ممثلة في القائد العام ورئيس مجلس السيادة الفريق البرهان في التدخل كما أعلن ذلك الدكتور محمد علي الجزولي رئيس حزب دولة القانون في تسجيل على الفيس بوك يطلب فيه من الفريق البرهان منع وصول البعثة الأممية للأرض السودانية وما خفي أعظم. ونرجو أن تكون الأخبار المتعلقة بعدم وصول هذه القوات أخبار صحيحة ولو تذرعت هذه البعثة وجنودها وادارييها ومبعوثيها بجائحة كورونا عن الحضور للسودان ويبقى أمام الدكتور حمدوك رئيس الوزراء ان يفتح صفحة جديدة مع شعبه ويعيد للقوات المسلحة الثقة في دورها الطليعي ويخرج بمبادرة جديدة وقفزة كبيرة في اتجاه الوفاق الوطني وانجاح الفترة الانتقالية لتكون سودانية خالصة من غير تدخل خارجي (ولو يسير) في الشأن السوداني… الوطني والقومي.
وبالله التوفيق

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.