الإستفزاز و قرع طبول الحرب في الفشقة

0

همس الحروف

الباقر عبد القيوم علي

الإستفزاز الصارخ الذي قامت به إثيوبيا ضد الشعب السوداني فعل مأساوي و خسيس و مخز و يتنافى مع حجم العلاقة التي تربط البلدين منذ عهود بعيدة ، صحيح يمكن أن تتكدر العلاقات بين الحكومات بسبب تقاطعات السياسة و إختلاف المحاور ، و لكن تظل أواصر العلاقات بين الشعبين تحفظ حقوق الأخاء و الجوار ، فهذه الحادثة التي وقعت و بهذه الإحداثيات المأساوية و المحزنة و المخزية في آن واحد قطعاً ستغير كثيراً في وجدان الشعب السوداني تجاه الجارة إثيوبيا ، و ستخلف آثاراً بالغة التعقيد في دفتر أحوال هذه العلاقات التاريخية الطيبة بين شعبي البلدين ، و قطعاً ستضع نقطة بالغة السواد في صفحة هذه العلاقات الأخوية ، حيث أن هذا الأمر لن يمر علي الشعب السوداني هكذا كمرور الكرام .

الإدارة الإثيوبية حاولت جاهدة تجميل وجهها بمساحيق مضروبة و ذلك بإصدار بيان باهت من اجل تخفبف وقع هذه الجريمة الشنعاء علي السودانيين ، و التي تتعارض و تتنافي مع كل القوانين و الأعراف الإنسانية الدولية ، إلا أنها كذلك بهذا البيان قامت بقطع كل الطرق على أعداء الداخل من السودانيين الذين حاولو تحريف إحداثيات هذه الحادثة لمصلحة هواهم و حسب أجنداتهم التي يخدمون لمصلحتها و ذلك بمحاولة شيطنة قيادة المؤسسة الحربية و اتهامهم بصناعة هذه المشاهد ، في وقت نحن في أشد الحاجة لتوحيد الجبهة الداخلية و الإلتفاف حول الجيش ، حيث قاموا بتصوير هذه الحادثة المأساوية كدراما مصنوعة لأجل كسب سياسي رخيص ، و لكن الحكومة الإثيوبية قد كذبت إدعائهم بأقرارها للواقعة ، كما ورد ذلك في حيثيات البيان الذي تم إخراجه على عجالة لتفادي ردود أفعال الجيش السوداني الذي وعد بالرد ميدانياً ، فجاء برواية سمجة لا تتوفر فيها أي دعامات تقيم صلب روايتهم و تؤكد موضوعية محتوى بيانهم ، فأذاعوا أن هؤلاء الجنود توغلوا في العمق الإثيوبي بإسناد من عناصر الجبهة الشعبية لتحرير إقليم التقراي المعارضة ، و لقد دخلوا في اشتباك مع الجيش الإثيوبي ، مما أدى ذلك لوقوع خسائر في الأرواح ، إنتهت الرواية الإثيوبية .. فإذا سلمنا بهذه الرواية التي تخلو من العناصر التي تقيم الحجة على الدليل لتدعم ما جاء في نص البيان و الذي من الصعب تصديق محتواه ، فكان من الممكن حسب راويتهم أن يتم أسر هؤلاء ال 8 أشخاص ، و لكن على رغم من ذلك تم قتلهم ، و بما أن القتل يتم تنفيذه في الميدان و أن للميدان ظروف خاصة تتحكم فيه وفق ضرورة المواقف على أرض الواقع ، فقد يجد البعض العذر الذي يبرر للمجرم إرتكاب هذه الجريمة ميدانيا ، و لكننا لن نجد للإثيوبين أي حق يبررون به ذلك السلوك اللا إنساني في الثمثيل بالجثث ، حيث حاولت الحكومة الإثيوبية في بيانها عدم التعرض لهذا السلوك المشين لإقناع العالم من جهة و من الجهة الأخرى تحسين و تبرير موقفها أمام الشعب السوداني بهذا البيان الفطير ، ولكن ما يعقد الموضوع و يزيد من مأساوية المشهد هو ما حدث بعد القتل ، إذ يعد هذا الأمر جريمة أكبر من القتل نفسه ، حيث تبع القتل تمثيل بالجثث و تصوير و تشهير و نشر ، الشيء الذي ألقى بظلال قاتمة السواد و السلبية على قلوب الشعب السوداني ، فهذا السلوك العدواني ينفي صدق الإدعاء الإثيوبي ، و لهذا نجد أن هذا التصرف القبيح يؤكد لنا أن هذه الجريمة قد تم رسمها بخطة محكمة ، و لها أبعاد ما بعدها ، و تحمل في طياتها مضامين متعددة كان الغرض منها توصيل رسائل معينة للسودان حكومةً و شعباً ، فالرسالة الأولى كانت للقوات المسلحة السودانية و كان الغرض منها إشعال حرب نفسية وسط جنودها لخفض روحهم المعنوية ، و يأتى ذلك مقروءاً مع هشاشة الوضع السياسي و الإجتماعي و الأمني ، مستغلين حالة التشظي بين مكونات الشعب سياسياً ، و أما الرسالة الثانية فكانت تحمل شقين ، فالشق الاول شق تخويفي للمدنيين اتت رمزيتة في تنفيذ القتل ضد مواطن أعزل وكان الغرض من ذلك بث الرعب بغرض إخلاء منطقة الفشقة من السودانيين ، و أما الشق الثاني بنى على بعض التقارير المضلله التي يروج لها فولكر و اتباعه و تتمثل في تصوير المشهد للعالم أن الشعب السوداني بأكمله ضد جيشه ، و لذلك ظنوا ان مثل هذه الفعلة النكراء ستلاقي الإستحسان عند مؤيدي فكرة فولكر .

هذا التحدي السافر من الجيش الإثيوبي ضد نظيره السوداني ، و الذي تجاوز حدود كل الشرائع السماوية و خالف جميع القوانين و المعاهدات الدولية و المباديء و الاعراف الإنسانية ، حينما أقدموا و بدم بارد علي قتل و سحل و الثمثيل بجثث 7 أسرى من جنود الجيش السوداني بالإضافة لمواطن أعزل ، و كما تم تصويرهم و نشر ذلك السلوك المنحرف ، و كأن الجيش الإثيوبي يريد ان يبلغ نظيره السوداني بان جاهزيته قد إكتملت لأي عمل عسكري في الفشقة ، بعد ان تم أخذ وعود من بعض الدول الأوروبية ذات العداء السافر للسودان ، و هذا السلوك الإثيوبي قد خلق غبناً فاحشاً في صدور الشعب السوداني ، حتى اوصلهم الي حالة بالغة التعقيد من حالات الإختلال الوجداني الذي أوصل المزاج العام إلى حالة اللا حس و اللا وعي حتى أصبح كل الشعب ينادي الجيش بالانتقام و الرد الفوري و أخذ الثأر ميدانياً .

و لكن ما حدث في الفشقة هو ليس بالغريب و يعتبر إمتداد طبيعي لما يحاك ضد السودان من خطط ذات طابع خبيث ، و يعتبر ذلك من ضمن حزم صراعات الاجندة الأجنبية التي تحركها أطماع دولية وفق استراتيجيات متقنة التدابير و مكتملة الأركان يديرها الألماني فولكر مع معاونيه من بعض أبناء السودان ، كتحريك ملف نادي باريس كوسيلة ضغط على الحكومة ، و بعض حالات التهديد لقيادات الجيش و الأجهزة النظامية الأخرى بفرض عقوبات على الأفراد و المؤسسات ، و حالة العكننة العامة التي يعلمها القاصي و الداني التي أتت على نسق تصريحات فولكر و كانت سابقة لحراك يوم ال 30 من يونيو مما أوجب الخارجية السودانية لإستدعائه ، و كل هذه الحزم من الضغوطات يراد بها جر السودان الى المربع الساخن بغرض أضعافه تمهيداً لقيام مشروع تفتيت السودان المعد سلفاً و الذي يشارك في تنفيذه و بكل أسف رهط من أبنائة ، و كان لابد من إيجاد وسائل وأدوات يدار بها هذا الصراع ، و ما حدث في الفشقة يعتبر من ضمن هذه الوسائل و الأدوات الخبيثة التي تم إستخدامها و سيتبع ذلك زيادة في الضغوط الدولية الصادرة من دول الاتحاد الاروبي و أمريكا و الامم المتحدة على يد مهندس تفتيت السودان (فولكر) .. ، و بهذا نخلص إلى أن ما أقدمت عليه إثيوبيا ينبئ بأنها تم دفعها لذلك لانها تحاوزت في هذه الجريمة كل الخطوط الحمراء التى تحفظ حقوق الجوار و الأخاء عند الخصومة ، و كان الهدف من ذلك توصيل رسالة شديدة الإستفزاز يصعب الصبر عليها ، حيث أن هذا السلوك يؤكد أن الغرض من هذا الأمر هو إشعال حرب و إشغال السودان بحدوده الشرقية ، حتي يتم بها إستنزافه ، مما يستدعي ذلك حسب الخطط المعدة تدخل البند السابع ، و لهذا أرجو ألا يستجيب السودانيين لهذا الإستفزاز الصارخ و ألا يورط الجيش نفسه في حرب سيطول امدها مع إثيوبيا و سيكلف الدولة مبالغ طائلة مهما بلغت درجة هذا الإستفزاز ، و ان يعتمدوا الحلول الدبلوماسية ، و يجب أن تعي الحكومة و الجيش و الأحزاب السياسية و منظمات المجتمع المدني و نخب و قيادات الإعلام بحجم هذه المؤامرة المدمرة ، و أن يفوتوا هذه الفرصة على أصحاب الأجندات و الأطماع الدولية حتى لا يأتي يوم سيعضي الجميع على اصابعهم ندماً ، و الرحمة و الخلود لشهدائنا الابرار و لأعدائنا الخزي و العار ، و نسأل الله ان ينزل غيثاً من السكينة على قلوب أمهات و أباء و زوجات و أبناء و أخوان و أخوات الشهداء الأبرار .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.