منازعات الإستثمار بين إرادة الدولة المضيفة وإجراءاتها الإنفرادية

0


بقلم:علي صلاح البخيت
تلجأ الدول وخصوصا النامية منها الى تنمية اقتصادها وتطوير منشآتها وبناها التحتية عن طريق الاستثمار الأجنبي ، وبما أن المستثمر الاجنبي يحتاج الى قوانين ولوائح لتسهيل عمله وحفظ حقوقه في مواجهة دول ذات سيادة بإمكانها أن تأمم استثماره او تعدل تشريعاتها بسبب المتغيرات الداخلية التي قد تطرأ على نظام الحكم في الدوله المضيفة مما قد يضعف مركزه القانوني ، أو بالأحرى لتحقيق نوع من التوازن في عقد محتمل بين مستثمر أجنبي وهو شخص من أشخاص القانون الخاص وبين دولة من الدول.
أن النزاعات التي تقوم بين حكومات الدول المضيفة والشركات,والافراد الاجانب ، مبعثها تمسّك هذه الحكومات بضرورة توفر المزيد من المرونة في النظام العقدي الذي يربطهما حتى يتسنى له استيعاب المتغيرات الجذرية في الظروف السياسية أو الإقتصادية أو الإجتماعية للبلاد في حين أن الشركات تتمسك عادة باستقرار هذه العلاقات العقدية واستمرارها دونما تعديل أو تبديل في نصوصها .
فهذه الشركات تحرص قبل دخولها في اتفاقات ذات آجال طويلة كعقود الامتيازوعقود البوت والمشروعات المشتركة وعقود الخدمات ، أن تجري دراسات مستفيضة تتعلق بالتخطيط المالي بغرض تحديد المردود المتوقع وتحديد المخاطر المتوقعة لاستثماراتها ولكي تتمكن هذه الشركات من إقامة دراساتها وتحليلاتها على أسس علمية وعملية سليمة فإنها تطلب من حكومات الدول المضيفة بيانًا بكل الأعباء الضريبية والرسوم الحكومية الاخرى التي يتعين عليها أداؤها طوال فترة العقد ، وبيان بالاعفاءات التي ستحصل عليها هذه الشركات وحدودها، و موافاتها أيضًا بمزيد من التفاصيل حول قوانين العمل والضمان الاجتماعي لذلك لايعقل ان تكون تلك الرسوم لا سقف لها وايضا لابد من اعفاءات ضريبيه وجمركية والرسوم الحكومية حتى يكون المناخ جاذب للاستثمار وتشجيع المستثمر الاتي من الخارج وتشجيع المستثمر الوطني بالاعفاء الكامل من الرسوم الحكومية حتى يستثمر امواله بالداخل ويشجع على الاستثمار في موطنه بالنسبة للاجانب فالمستثمر غالبًا لا يملك كل الأموال المستثمرة في المشروع ومن ثم فإن البنوك والمؤسسات المالية الأخرى التي تسانده في تمويل المشروع تتطلب مراجعة العقود النهائية المتوقع ابرامها حيث تبني قرارها النهائي على المضمون الفعلي للأعباء التي يتحملها المستثمر وعائدات المشروع والضمانات القوية التي يكون قد حصل عليها من الدولة المضيفة وعليه فإننا نجد أن بعض اتفاقات الاستثمار تشتمل على شروط تسمى شروط الثبات والاستقرار يضمنها المستثمر وأخرى تضمنها الدوله المضيفة داخل وثيقة الاتفاق الخاصة بموضوع الاستثمار
نظرا للدور الذي تقوم به عقود الاستثمار الأجنبي المباشر في التنمية الاقتصادية، خاصة في الدول النامية، من خلال ما يقدمه المستثمر الأجنبي من رأس مال وخبرات فنية وإدارية وتكنولوجية حديثة للدولة المضيفة للاستثمار فإن ذلك يحتاج إلى مناخ استثماري جاذب ومشجع من خلال توفير ضمانات قانونية واقتصادية كفيلة لتوفير الأمان الاقتصادي والقانوني للمستثمر الأجنبي. كما أن هذه العقود عادة ما تبرم بين طرفين غير متكافئين من الناحية الاقتصادية والسياسية والقانونية وهما: الدولة المضيفة للاستثمار أو أحد الأشخاص المعنوية التابعة لها والمستثمر الأجنبي الخاص شخصاً طبيعيا أو معنوياً، إلا أن التعامل في إطارها يطرح الكثير من المنازعات، مما يؤدي إلى اختلال التوازن العقدي بين أطرافها. لذلك وتفادياً للمنازعة فيها أوجد مبدأ سلطان الإرادة والقانون الوطني والدولي مجموعة من الآليات لفضها، والتي تتماشى وخصوصية هذه العقود، وطبيعتها القانونية وما يترتب عنها من حقوق والتزامات وشروط خاصة يتفق عليها الطرفين، وهذه الآليات هي: الآليات الوقائية التي تجنب المنازعة في عقود الاستثمار الأجنبي المباشر وتعتبر في الوقت ذاته من بين الأسباب التي تؤدي إلى نشوب المنازعة في عقد الاستثمار الأجنبي المباشر إذا لم تدرج فيه، ومنها: شرط الثبات التشريعي، شرط إعادة التفاوض، وشرط القوة القاهرة وآلية التحكيم التجاري الدولي وقبل كذلك للمتعاقدين الحق في وضع شروط داخل وثيقة العقد ولكل شرط جدواة في وقت استعماله ومنها :
1/شروط الثبات والاستقرار
بناءً على رغبة المستثمر تتضمن وثيقة الاتفاق ما يعرف بشروط الثبات والإستقرار تحظر على الحكومة إجراء أي تعديل أو مخالفة لشروط الاتفاق أو اتخاذ أي تدابير ادارية أو تشريعية من شأنها مخالفة هذه الشروط وهذا يتنافى مع قوة ارادة الدولة .
أما من وجهة نظر حكومات الدول المضيفة للدول المستثمرة فإن عقود الاستثمار في طبيعتها الخاصة هي أشبه بوثيقة دستورية مرنة قابلة للتطوير تبعًا للتغير في الظروف فعقود الاستثمار تمتد لآجال طويلة ، الشيء الوحيد المؤكد هنا أنه خلال سنوات التنفيذ فإن المناخ السياسي والاقتصادي والاجتماعي قد تصادفه تغيّرات جذرية تستلزم في المقابل تغييرات في نصوص هذه العقود واشتراطاتها .
ومن هذا المنطلق نرى عدم تردد المستثمر عادًة في تقبله لإعادة النظر مرة أخرى في شروط العقد خاصة اذا كانت لصالحه بصفة مطلقة
2/شرط إعادة التفاوض (شرط المراقبه)
فإن بعض الدول المضيفة تحرص على تضمين العقد ما يعرف بشرط المراقبة أو إعادة التفاوض التي تقوم على ضرورة الأخذ في الإعتبار بالسمة المتغيرة لظروف التعاقد في الاتفاقيات ذات الآجال الطويلة .
ان شرط اعادة التفاوض يدرجه الاطراف في عقود التجارة الدولية يرومون من خلاله الى تعديل بنود العقد من خلال اعادة التفاوض فيه عندما تقع احداث معينة تؤدي الى اختلال توازن العلاقات العقدية على نحو يؤدي الى الحاق الضرر بأحد المتعاقدين اعمال شرط اعادة التفاوض يؤدي الى تداخل الحدود بين مرحلة ابرام العقد ومرحلة تنفيذه . اذ انه يؤدي الى اعادة التفاوض من أجل الاتفاق على شروط جديدة للعقد اثناء مرحلة تنفيذه أي بعد ان يكون ذلك العقد قد دخل مرحلة التنفيذ من قبل الاطراف.
ان شرط اعادة التفاوض، ليكون،بحد ذاته فكرة مستقلة نجده يأخذ ، في الواقع ، بعض ملامحه من نظرية القوة القاهرة ، ويأخذ بعض ملامحه الآخرى من نظرية الظروف الطارئة.
3/شرط القوة القاهرة:-
إن مفهوم القوة القاهرة لدى القضاء الفرنسي يعني ” ذلك الحادث الأجنبي الذي يعفي المدين من تنفيذ التزاماته شريطة أن يكون ذلك الحادث غير متوقعا و لا يمكن مقاومته وتتجلى مظاهر الاقتراب بين كل من شرط اعادة التفاوض والقوة القاهرة من حيث الشروط الواجب توافرها في الحدث واثر كل منهما على تنفيذ العقد اما وجه الشبه بين شرط اعادة التفاوض ونظرية الظروف الطارئة فيتجسد في درجة تأثير كل منهما على توازن العقد اذ يؤدي كل منهما الى خلق اختلال في التوازن الاقتصادي للعقد وعلى نحو يؤدي الى الحاق ضرر فادح أو جسيم بأحد الاطراف او بكليهما و نستطيع القول إن وجود الدول النامية كطرف في غالبية عقود الاستثمار ، وما يرتبط بهذا الوجود من عوامل سياسية واقتصادية تعزز الحاجة الى إعادة النظر والتفاوض في شروط هذه العقود فهناك العديد من اتفاقات الاستثمار السارية المفعول الآن ولفترات زمنية طويلة مقبلة قد أبرمت مع شركات أجنبية إبان احتلال تلك الدوله اوكانت تحت ظل نظام حكم جائر، هذه الاتفاقات نجدها مثقلة بالامتيازات والاعفاءات والضمانات التي تتحملها الدولة النامية إن الظروف التي أبرمت فيها هذه الاتفاقيات لا يمكن معها حتى الإدعاء بأنها كانت وليدة الارادة الحرة لأطرافها ، وإنما هي في الحقيقة وليدة رغبات طرف مملاة على الطرف الآخر مثلها مثل عقود الإذعان ، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هل يعتبر التغير في الظروف السياسية للبلاد بعد أن نالت استقلالها ظرفًا جوهريًا يدعو لمراجعة هذه الإتفاقيات ؟حتى اتفاقيات الاستثمار التي أبرمت بعد أن نالت هذه الدول استقلالها من دولة اخرى او تحصلت على حريتها من نظام جائر ومستبد ولايكترث في انجاز المهام للقانون والقانونيين وكانت ظروف ابرامها منعدمة الاراداة وقتئذً فالإقتصاد المنهار لتلك الدول لايجعل منها الطرف القوي المفاوض أمام شركات عملاقة مسيطرة تفوق وسائلها وامكاناتها لما هو متاح لكثير من الدول النامية ألا يقتضي ذلك عدالة أن يعاد النظر في هذه الاتفاقيات بعد مرور فترات زمنية طويلة على إبرامها ؟.
بالرغم من أن مفهوم إعادة التفاوض في شأن عقود التنمية الإقتصادية أصبح مبررًا ومقبولاً فإن مشكلة مراجعة عقود الإستثمار وإعادة التفاوض بشأنها تمثل جانبًا كبيرًا من المنازعات التي تنشأ بين المستثمر والدولة المضيفة الأمر الذي يدعونا لبحث مدى ملائمة حل مثل هذه المنازعات عن طريق التحكيم .
ومن ناحية أخرى يرى جانب من الفقه أن التوفيق منازعات الإستثمار بصفة عامة وفي مجال تسوية المنازعات المتعلقة بإعادة التفاوض بصفة خاصة حيث أن معظم هذه المنازعات هي منازعات غير قانونية ولا تتعلق بالغالب بتفسير الشروط التعاقدية وإنما تقوم على ضرورة العمل على تعديلها. ولكن هذا لا ينفي أن تكون هذه المنازعات محلا للتسوية بطريق التحكيم مع مراعاة مبادىء العدل والانصاف.
الإجراءات الانفرادية للدولة المضيفة:-
يفرق الفقه عادًة بين نوعين من الإجراءات الإنفرادية التي تقدم عليها الدولة في عقد الإستثمار وتؤثر بطريق غير مباشر على تسوية المنازعات بطريق التحكيم.
النوع الأول: من هذه الإجراءات يتمثل في قيام الدولة بإحداث تغييرات جوهرية في تشريعها الوطني مما قد يؤثر على مدى سلطتها في اللجوء إلى التحكيم أو الإلتزام بأحكامه أو قد يكون من شأن هذه التغييرات التعديل في القواعد القانونية التي تحكم تسوية النزاع.
أما النوع الثاني: فيقصد به الإجراءات التي تتخذها الدولة لإبطال أو فسخ عقد الإستثمار الذي يتضمن الإتفاق التحكيمي ذاته.
ومن الاجراءات الانفرادية مثلا أن تقوم الدولة بإصدار قانون جديد ينص على أنه لا يجوز رفع دعوى على الدولة الا أمام محاكمها الوطنية للتهرب من شرط التحكيم.
وقد تقدم الدولة الطرف في اتفاقات الإستثمار وكإجراء إنفرادي على تأميم أو نزع ملكية المشروع محل ى الاتفاق ومفاد هذا التوجه أنه لا يجوز لهيئة التحكيم أن تتعرض لشرعية اجراءات التأميم أو المصادرة وإنما يتعين أن ينحصر اختصاصها في حدود النظر في التعويضات الملائمة.
وعليه ، فإنه إذا كانت هذه السلطات السيادية التي تملكها الدولة تمكنها من اتخاذ اجراءات استثنائية كالتأميم أو المصادرة ، فإن شرط التحكيم يظل له جدواه و فاعليته و إن هذه الاجراءات الاستثنائية حتى لو غلب عليها الطابع السياسي فإن المنازعات التي تدور حولها هي ذات طابع قانوني يتعلق بتحديد مدى الضرر الذي لحق بالمستثمر حيال نقض الدولة لإلتزاماتها وتعهداتها وهي من المسائل التي تدخل في الاختصاص الأصيل لهيئة التحكيم .

خاتمة
من خلال البحث البسيط ومن خلال النجاحات الكبيرة التي تحققت ارى ان أسلوب التحكيم الدولي في إطار منازعات الاستثمار منوطًا به تحقيق التوازن المنشود بين حقوق المستثمر الأجنبي و متطلبات خطط التنمية الاقتصادية للبلاد النامية ومن ثم بات مؤكدًا ضرورة تطوير التحكيم الدولي بما يتوافق وطبيعة روابط الاستثمار وخصوصية ما تفرزه من منازعات . وما زالت الحاجة قائمة لتطوير التحكيم الدولي في مجال منازعات الاستثمار وايجاد صيغة دولية قادرة على تقنين كثير من القواعد المادية الكفيلة بحماية رأس المال الأجنبي وإقامة العدالة المتوازنة التي تتطلع إليها الدول النامية.
وكإطار محايد فإن المحكمه المنشاةعملا بأحكام اتفاقية ,واشنطن لتسوية المنازعات الاستثمارية الناشئة بين الدول المضيفه ورعايا الدول الاخرى المستثمرة ويجب التنويه هنا بأن وجود مركز لتسوية منازعات الإستثماروالذي صمم خصيصًا كي يتعامل مع منازعات استثمارات ذات خصوصية بين المستثمرين من القطاع الخاص، والدول المضيفة ساهم في تعزيز وتشجيع الإستثمارات الخاصة ، لاسيّما في الدول ذات الإقتصاديات النامية .
إن المرونة والتدابير الرقابية التي تقدمها اتفاقية واشنطن تضمن أن الإحتياجات الخاصة لكل من الدول المضيفة ومستثمري القطاع الخاص يتم الاستجابة لها ، وبلا شك أن المركز سيبقى آلية ضرورية وفاعله تحقق المصلحة المرتقبة للمجتمع الدولي.
وأنهي مطالعتي هذه بالتأكيد على أن التحكيم هو الوسيلة المثلى لفض منازعات عقود الإستثمار خصوصًا في ظل ما نشهده من تغيرات متتابعة في عصرنا هذا وتحديدًا في منطقتنا والمناطق المجاورة على ان يتم تعديل وتنقيح نصوص قوانين التحكيم بما يتوافق وقوانين العالم في المجالات التكنولوجية المتقدمة ومستوى العالم الخارجي في مجالات الاستثمارات المتنوعه لمواكبة هذا التطور في قوانينها المحلية .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.