الشعر طريقة حضور أم إقصاء؟

0


د. عبدالله البطيَّان

للشاعر مَلَكَة تقوده من خلال ما يمتلك من ذكاء لفظي ومخزوم لغوي بأن يشكل ما يريد من معنى والطريقة التي يراها ليوصل رسالته والدلالة التي عينها بما اصطنعها من مشاعر أو صاغها شعورياً ليدرك موسيقاه الشعرية بالامتداد الفني الذي زمه من تصوير أو اقتاده من إلهام، كل هذا ونحن نسمع كثيرًا ما يقال عنه : المعنى في قلب الشاعر!، أو يحق للشاعر ما لا يحق لغيره!.

لن نختلف مبدئيًا عندما يتوافق المتلقين بأن هناك قيم وأعراف وذوقيات لا يتجاوزها الشاعر وإن حدث من أدوات لم يوفق فيها المبدع سيلام بل وسيعرض الإسقاط مالم يبرر بأسلوبه أو طريقته كترميز أو مجاز أو تضمين يدل على أثر نفسي أو اجتماعي وهكذا..

يقول الناقد أ. محمد الحرز حول الشعر والكتابة الإبداعية في كتابه القصيدة وتحولات مفهوم الكتابة صـ ٩٣ـ :
الشعر طريقة حضور، لا طريقة إقصاء في العالم.. طريقة انفلات، لا طريقة تقييد، هو إنصات تأملي لصوتنا الداخلي، وليس ضجيجًا نرفعه ضد الآخرين، هو انغماس في اللحظة الزمنية، لا ارتفاع عنها، هو إحساس مؤجل كلما حاولنا الاقتراب غاص في عمق براءتنا الأولى هو إقامة شعرية في الحياة كما قالها ذات مرة الشاعر الألماني هولدرين، هو عالمنا المتخيل عن الكون والموجود.

لذا لا يكفي أن نكتب الشعر حتى يقال عنا شعراء بل هناك أثر وصدى يتحول عن النفس الإنسانية من التعبير والتصوير وأحوال انفعالات الهم الإبداعي المتعدد والمتنوع من التجارب التي تمثل الفرد أو الجماعة وبهذه الدلاله نرى أن ما يتم حفظه من تراث غير مادي يجعلنا نقيس ثراء اللغة ونموها لما يمر بالمجتمع من أحداث يبتكر فيها الشاعر معاني تتوائم مع الواقع الذي يمر به وخير مثال ما نشهده من آثار كيف كان المجتمع الشاعري تداول قصيدة الشاعر حيدر العبدالله والمعرفة بـ سكنانا والتي تحمل عنوان مخطوطة القرى والظلال والتي تم إلقاءها بواسطة الشاعر نفسه عام ٢٠١٥م – ٢٠١٦م، حيث انخفض صوت الإلقاء وضجت أصوات المعاني ارتفاعًا بما لم يعتد عليه المجتمع الشعري حينها.

وكما يقال : باءكم تجر وباءنا لا تجر من حالة إسقاط شاعر ما أو تعزيز وجود شخص ما وبوابات مدارك ووعي المثل الذي يقول كما يقول الحساوية 🙁 إذا حبتك عيني ما ضامك الدهر) فهنا نرى بأن البعض سهله ممتنع،وصعبه إتقان، وغيره يصف كلام وشاعر وزن إن لم يتهم بأنه (يخربط) نتيجة أننا لا نحبه أو لا نفهمه أو أسلوبه لم نعتد عليه حتى أن الإقصاء أيسر ردة فعل مهما بلغ الإبداع نواحيه لذلك إن أمعنا النظر فإن كل تكوين وانفعال شعري يعتبر تجربة تساهم في حفظ التراث الإنساني الغير مادي والذي يشكل أثر الشعر على مر العصور.

وبما أننا نتعايش مع كوفيد وتحوراته دلتا ومكرون نلقى أدبيات تلامس هذا الضيف بكل تلاقيه مع حياتنا دخل بيننا وأصبحت آثارنا في سلوكنا متغير بين ما قبل كوفيد وما بعد كوفيد كعادات وتقاليد اجتماعية ونظام احتراز صحي وجوانب أمنية دخلت في الشعر من أوسع أبوابه وهذه دون شك تجربة تعيشها الساحة الأدبية نقلل من قيمة من لا يعجبنا… ونرفع من قدر أثر إبداعي آخر في سبيل بين الحضور والغياب.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.