بدرالدين موسى
(2-2)
الأزمة السياسية الخانقة التي تعيشها البلاد انتجت الاحتقان السياسي وانسداد الافق و يمكن ان تعصف بالبلاد الى اتون المجهول ودخولها في دوامة العنف والإنهيار ونماذج الاقليم في كل من ليبيا وسوريا واليمن ليس ببعيدة لذلك يبقي المخرج من هذه الأزمة هو الحوار الجدي والموضوعي والصريح، ويجب ان يشمل كل قوي الثورة الحية من الشباب والنساء ولجان المقاومة و قوي الحرية والتغيير لأن لا سبيل للخروج من هذه المعضلة الا الحوار ، والوطن لا يحتمل مزيدآ من الجراحات وحالات الانقسام السياسي الذي يمكن أن يقود البلاد الى مألات التشظي والانهيار ، فالتعنت والتمترس حول المواقف المتصلبة لا يقود الى نتيجة او حلول بل ينتنج مزيدآ من الدماء وازهاق الارواح البريئة من شباب السودان اليافعين يكفي هذه البلاد ما سفك من دماء وقتل علاوة علي اتساع دائرة العنف التى بدأت تتسع ووتنوع اشكالها وتتمدد ، ومع ترجيح فرضية الإنهيار وتفكك الدولة اكثر من اي وقت مضي فشعبنا يستحق الحياة الكريمة.
واعتقد ان موقف الحركة الشعبية واضح وجلي وقد عبرت عنه في اكثر من مناسبة بأن لا سبيل للخروج من هذه الأزمة السياسية إلا بالحوار لعبور هذا النفق وفك الاحتقان السياسي، وظهرت في الساحة العديد من المبادرات الداخلية والخارجية وأخرها مبادرة رئيس بعثة اليونتامس مستر فولكر ومؤتمره الصحفي الذي قدم عبره أبرز ملامح مبادرته وذكر بانه ليس له اجندة مسبقة او محددة وقال ان كل ما يمكن ان تقوم به البعثة هو دور المسهل والميسر لحوار سوداني – سوداني وقد تباينت الآراء حولها حيث تجاوب البعض معها بالقبول المشروط وبعضهم بالتردد والحذر ورفضها البعض الآخر وتحفظ عليها آخرون ، في تقديري إنها سانحة وفرصة إن تم استثمارها بشكل جيد و إن توفرت الإرادة السياسية الحقيقية للفرقاء السودانيين يمكن أن يجني ثمارها بالوصول لحل سوداني- سوداني يخرج البلاد من أزمتها الراهنة .
(2)
الشراكة بين المكونيين العسكري والمدني فرضها توازن القوي بين الطرفين في 2019م ، وتم تقنين هذه الشراكة بالاتفاق السياسي والوثيقة الدستورية في اغسطس 2019م ، هذه الشراكة بين المكونيين يجب أن تستمر وتقييم وتمتن وتحصن وتتحول مجدا” الي شراكة منتجة بالعودة للوثيقة الدستورية او بتعديلها وتجويدها وذلك باتفاق اطراف العملية السياسية من قوي الثورة الحية، فمحاولة اي طرف من اطراف المكونيين العسكري والمدني بالاستفراد او اقصاء الآخر او اضعافه سيقود للمواجهة وهذا ما حدث في اكتوبر من العام الماضي مما جعل المكون العسكري يمضي في قراراته واجراءاته والتي ادت الي الإنقلاب علي المكون المدني ممثلا” في الحرية والتغيير وفض الشراكة والغاءها من جانب واحد ، ارتفاع وعلو نبرة الاصوات المتطرفة في المكونيين هي من قادت الي هذا الصدام الذي انتج هذا الواقع ، إستمرار الشراكة بين المكونيين حتي نهاية الفترة الإنتقالية ضرورة موضوعية وحتمية لا سبيل للهروب منها واي محاولة او تفكير خارج هذا السياق ستكون مآلاته وخيمة علي البلاد والعباد وهذه هي الحقيقة التي يحاول الكثيرين غض الطرف عنها والايام حتمآ ستثبت صحة ما ندعي.
(3)
ما يحمد لهذه الثورة الظافرة انها حققت السلام وجعلته من ضمن شعاراتها خلافا للثورات والفترات الانتقالية السابقة في اكتوبر 1964م وابريل 1985م ، و قد خاطب الاتفاق قضايا شائكة ظلت تؤرق البلاد لعقود طويلة واتفاق جوبا لسلام السودان بمساراته المختلفة رغم اراء الآخرين حوله يظل مساهمة وجهد بشري مقدر ساهم في تشخيص وحل الكثير من القضايا المتشعبة التى انهكت البلاد ، تظل العبرة بتنفيذ ما اتفق عليه في القضايا القومية من اصلاح الخدمية المدنية واصلاح المنظومة العدلية والقضائية واصلاح القطاع الامني لبناء جيش سوداني مهني واحد ….الخ بالاضافة للترتيبات السياسية والامنية للمسارات المختلفة وعودة النازحيين واللاجئين الي مواطنهم وقراهم الاصلية للعيش بكرامة .
من هذا المنطلق وفي هذه الظروف أري أن إلتزام الحركة الشعبية – شمال باتفاقية جوبا لسلام السودان بالعمل من داخل مؤسسات الفترة الانتقالية علي المستوي القومي وأقاليم الحكم الذاتي لتنفيذ الإتفاق و بنوده وتحقيق اهداف وشعارات ثورة ديسمبر وتثبيت اركان الدولة المدنية الديمقراطية والعمل بقوة للعودة للمسار المدني الديمقراطي هو أمر ضروري وقرار مسئول.
دعونا نكن اكثر وضوحآ في هذه النقطة لأن هنالك بعض الاصوات وبعض الدوائر بعد انقلاب المكون العسكري علي الحرية والتغيير وفض الشراكة معهم من جانب واحد حاولوا ان يجيروا موقف الحركة الشعبية لصالح مواقفهم وآرائهم ويضعوها في خانة مع الثورة والدولة المدنية والمسار الديمقراطي ورفض انقلاب المكون العسكري علي الحرية والتغيير وذلك بادواتهم وخياراتهم او تصنف في خانة( الضد) ضد الثورة داعم للإنقلاب ضد الدولة المدنية ضد المسار الديمقراطي …. الخ وذهب اخرين بمطالبة الحركةالشعبية بتجميد الاتفاق والانسحاب من الحكومة كأنهم لا يعلمون مآلات هذا الخيار.
الحركة الشعبية مع العودة للمسار المدني الديمقراطي والدولة المدنية الديمقراطية ودولة القانون والمؤسسات وضد الدولة الفاشية العسكرية ولكن بادوتها وخياراتها قد تختلف مع خيارات الاخرين الحركه الشعبية يقع علي عاتقها التزام سياسي وأخلاقي وهي محكومة باتفاق سلام يتطلب وجودها وفاعليتها في مؤسسات الحكومة الانتقالية قوميآ وعلي مستوي أقاليم وولايات الحكم الذاتي لا سيما إقليم النيل الأزرق( يوجد حاكم وحكومة منذ يوليو – سبتمبر2021م ) ولايتي جنوب كردفان وغرب كردفان (لم تشكل حتي الآن) علي سبيل المثال الآن في إقليم النيل الازرق الذي تحكمه الحركة الشعبية إستطاعت حكومة الإقليم في هذه الفترة القصيرة والوجيزة من تحقيق استقرار سياسي واجتماعي وامني بالاقليم وهو بشهادة الكثيريين اكثر اقاليم وولايات السودان امنآ في البلاد وسط الاضطرابات الذي يعيشها السودان ، بجانب ترسيخ وتاسيس مؤسسات الحكم الذاتي وبنائها من اجازة القوانيين وبناء الهياكل وإصلاح الخدمة المدنية بالاقليم ، عليه فان الحركة لن تنكفئ وتصم اذنيها عن قضايا الوطن الكلية كما يتخيل للبعض وبذات القدر لم تفرط في انفراط عقد امن هوامش السودان الهشة التي يمكن ان تعود للحرب مجددا” من خلال اي تصرف لم يجانبه الصواب والحكمة في هذه الظروف الحرجة.