تأمُلات بمجرد إيداع المبلغ..!! كمال الهِدي

0

بالطبع لا ذنب للدكتور حمدوك في صلف وعنهجية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. لكن الأمر في رأيي لا يستحق الاحتفاء وعبارات الشكر والثناء لرئيس أمريكي يذلنا ويستهين بنا كشعب فعل المستحيل من أجل رفع الظلم والطغيان.

حين قرأت التغريدة التي انتظرها أهلنا طويلاً بدا لي وكأن الطرفين يقفان مُراح للعجول بالمويلح متحمِسيِن لإكمال صفقة بيع وشراء لكي يتوجها بعدها لتناول الشواء الساخنة بسوق قندهار الشهير احتفالاً بالتسليم والتسليم. أي سخف يعامل به المعتوه ترامب شعوب العالم!وأي هوان تعيشه هذه الشعوب بفضل قياداتها المتهافتة التي تدوس على كرامتها. لن أركز كثيراً على الجانب الأخلاقي وأسأل عما إذا كانت القوى الأعظم في العالم قد عوضت العراقيين مثلاً عن الجرائم التي أُرتُكبت في حقهم استناداً على معلومات اعترف الأمريكيون لاحقاً بخطئها، وأقر وزير خارجيتهم الأسبق كولن بأول بأنه ضلل مجلس الأمن وكذب على أعضائه حولها.لن أركز على هذا الجانب لأن الخط العام عندنا صار (براغماتياً) أكثر من أمريكا نفسها.ولن ألوم حمدوك الساعي لرفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، لكنني أود أن أطرح على المهللين جملة من الأسئلة التي أتمنى أن يجيب عليها كل منا في قرارة نفسه،

حتى لا نستمر في إهدار الوقت فيما لا طائل من ورائه.جميل أن يُزال اسم بلدنا من قائمة الإرهاب لنعود للعلاقات الطبيعية مع كافة بلدان وحكومات العالم.لكن هل كان لهذا الشعب السوداني الثائر أي دور في دعم الإرهابيين وتزويدهم بالمال والسلاح لكي يقتلوا أبرياء هنا أو هناك، حتى تٌفرض غرامة على الضحية، فيما يهنأ المُجرم الحقيقي بالأموال التي نهبها وأودعها في مختلف بنوك العالم، دون أن تحاسبه هذه الدولة العظمى المتحكمة في العالم؟! وما الذي منع سيدة وشرطي العالم الأوحد من تتبع أموالنا المنهوبة لخصم الـ 335 مليون دولار منها وإعادة المتبقي لهذا الشعب المقهور المظلوم لو كانت أمريكا متحمسة حقيقة لدعم التغيير في السودان وتعزيز الحُكم المدني فيه؟!لا نشك في أن أي عقوبات اقتصادية تترك آثاراً سالبة على أي بلد يُخضع لها،

لكن هل منعت قائمة الدول الراعية للإرهاب الدكتور حمدوك وحاضنته السياسية من تشكيل المجلس التشريعي خلال الأسابيع أو حتى الأشهر الأولى من تكوين هذه الحكومة الانتقالية، حتى لا يفاجئوننا باتفاق سلام ظالم ينتهي بعطاء من لا يملك لمن لا يستحق؟!هل منعت القائمة المذكورة ساطع الحاج وابتسام السنهوري من الإصغاء لملاحظات خبراء القانون الكبار حول الثغرات التي مُلئت بها الوثيقة الدستورية،

سيما ما يتعلق بأجهزة العدالة؟!هل كانت القائمة سبباً في قبول قوى الثورة بالتماهي مع قتلة المعتصمين؟!هل وقفت العقوبات الأمريكية حائلاً دون قبول رئيس الوزراء بالتشكيلة الوزارية الأولى وفرضت عليه أن يوافق على تشكيلة ثانية يفتقر معظم وزرائها لروح الثورة الحقيقية؟!هل فرضت العقوبات استبدال وزير الصحة أكرم، والضغط على دكتور إبراهيم البدوي لكي يتنحى ليُستبدل لاحقاً بنصيرة للعسكر والدعم السريع؟!هل كانت قائمة الدول الراعية للإرهاب مبرراً للاستمرار في تجنيب أموال المؤسسة العسكرية واستئثارها بـ 82% من موارد وأموال البلد حسب اعتراف رئيس الوزراء نفسه؟!هل منع ترامب أو مجلس شيوخه فيصل محمد صالح من فتح ملفات العديد من الصحف والقنوات الفضائية التي تأسست من عرق الغلابة وأموال جهاز الأمن وافساح المجال لها للاستمرار في التآمر على الثورة حتى يومنا هذا؟!هل فرضت الإدارة الأمريكية على حُكامنا قانوناً يمنعهم من تحصيل قيمة الصادر مُقدماً حتى تتوقف شكواهم من عدم إيداع الشركات العاملة في مجال التصدير للأموال ببنك السودان؟!هل بسبب العقوبات الأمريكية استمر إيداع مبالغ الضرائب والرسوم بحسابات خاصة في البنوك التجارية بدلاً من إيداعها في البنك المركزي لكي ترفد المشاريع التنموية؟!هل يتضمن قانون مكافحة الإرهاب الأمريكي بنوداً تنص على عدم تسخير طاقات الشباب السوداني في حرث أرضه ولو بأقل الوسائل التقنية المُتاحة؟!وهل توقفت الزراعة أصلاً طوال الثلاثين سنة الماضية التي عانى فيها بلدنا من هذه العقوبات؟!ألم تُزرع أراضينا بأطيب المحاصيل والثمار لتعود منفعتها لبلدان أخرى دون أن يستفيد منها أهل البلد؟! (هذا وضع مستمر حتى يومنا هذا).

هل تضمنت قائمة الدول الراعية للإرهاب بنداً يُحتم على من يُضافون لها اختيار مسئولين من نظام ثار ضده الشعب السوداني ليظلوا أقرب من حبل الوريد لكبار قادة حكومة الثورة بما فيهم حمدوك نفسه؟!إن حاولت إجمال الأسئلة فسوف احتاج لمجلد كامل لا مجرد مقال.المهم هو أن يفهم شعبنا أن مثل هذه المبررات والشماعات التي يعلقون عليها الفشل والعمالة والهوان لن تجدي نفعاً على المدى البعيد.علينا أن نطرح الأسئلة دائماً ونبحث لها عن إجابات شافية حتى لا نكرر خطأ الثلاثين عاماً الماضية التي أوصلتنا لكل هذا التردي الشامل.على المستوى الشخصي أرى أنه ليس مصادفة أن تتزامن تغريدة ترامب (الضجة) مع بلوغ الروح الحلقوم لدى غالبية أفراد شعبنا الثائر؟!كلما اشتد الغضب واقتربنا من مرحلة الوعي الحقيقي، وجدوا ألف طريقة للتنفيس، وهذا سلوك لا يختلف في رأيي عما عودنا عليه قادة ورموز نظام المخلوع.انكشف المستور الآن، وبدا واضحاً لكل صاحب بصيرة أن هذه الحكومة والكثير من رموزها وقادتها السياسيين لا يعملون بجدية لتحقيق شعارات ثورة ديسمبر المجيدة، وهذا ما يجب أن نتوقف عنده بتروِ.وأمريكا وبلدان الغرب الأخرى مستمرة في ابتزازنا ببعض المجرمين الذين قتلوا أولادنا.من يظن أن تخفيف الضغط على الحكومة كلما أحكم الشعب حصاره عليها يصب في مصلحة المدنية وهذا الملاك الطاهر (حمدوك) أراه واهماً جداً.فالقادة العسكريين الذين هندسوا اتفاق سلام –

إن لم تتم معالجة شوائبه بالطرق السلمية الصارمة ربما يؤدي على المدى القصير لحرب أهلية في هذا البلد- هم أول المستفيدين من دعم هذه القوى العالمية. أعلم أن الناس في بلدي يتجنبون الوضوح التام وتسمية الأشياء بأسمائها، لكن هذا الهروب للأمام سوف يوردنا المهالك.فالنتائج الكارثية لما جرى في جوبا لا يمكن أن تؤدي لشيء سوى الحرب الأهلية.

فمن غير المقبول أن يُنصب من لم يرفعوا بندقية أو يجدوا قبولاً عاماً كمفاوضين رئيسين ليحددوا الحصص وينالوا المناصب على حساب أهلهم في الوسط والشمال والشرق والغرب.وليس من العدل في شيء أن تفرض قلة إرادتها على أهلنا في مختلف مناطق السودان لتحظى في النهاية هذه القلة بالامتيازات بينما تستمر معاناة من تحدثوا باسمهم في جوبا.حتى أهلنا في أمريكا الذين كانوا يدعمون الثورة بالأموال لا يروق لي موقفهم الحالي.فبدلاً من التهليل والتسويق للوعود الزائفة كنت أتوقع أن يستفيدوا من الحقوق التي يتمتعون بها بُحكم حصولهم على جنسيات بلدان مهجرهم لرفض سياسات القهر والاستبداد التي تُمارس ضد الشعوب المستضعفة.عوضاً عن احتفاء سالي وبكري وغيرهم بتغريدة سخيفة تقول (بمجرد إيداع مبلغ 335 مليون دولار المتفق عليه سأرفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب) تمنيت لو أنهم سعوا لتوعية أهلهم البسطاء في هذا السودان حول آليات عمل الحكومات والمؤسسات الغربية التي تهضم حقوق المستضعفين ولا تعيدها لهم إطلاقاً مهما استمروا في الدفع. ليتهم، أعني أهلنا بأمريكا وبلدان الغرب الأخرى أخبروا هؤلاء المساكين الباحثين عن أبسط مقومات الحياة من كهرباء ومياه نظيفة ورغيف وغاز وجرعة دواء بأن الدفع سيستمر، وأن الاستنزاف لن يتوقف، لأن الغربيين أصلاً لا يدعمون سوى حكومات (الدغمسة) في عالمنا الثالث، ولو لا ذلك لأعانوا شعبنا في التخلص من المجرمين القتلة الذين يرفلون في سعادة يفتقدها من ضحوا من أجل هذا التغيير ولضغطوا باتجاه محاسبتهم الفورية على جريمة فض الاعتصام.لكنهم يشتغلون معنا بنهج (موت يا حمار)، لننشغل يوماً بلجنة تحقيق شُكلت لكيلا تصل لشيء، وفي يوم آخر نلهي أنفسنا برفع عقوبات لم تكن السبب الوحيد فيما شهده بلدنا من دمار مهما كذب ساسة الأمس واليوم. وغداً سندق الطبول احتفاءً بقدرة حمدوك على الفصل بين ملفي رفع العقوبات والتطبيع.

وحتى بعد التطبيع ستزداد سطوة جماعة (حدس ما حدس) شدة طالما استمررنا في غفلتنا. فمن (يصر) على عدم ترتيب بيته من الداخل لا يمكنه أن يوهمنا باستيراد الطمأنينة والاستقرار والأمل من خارج الحدود.
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.