حالة حمدوك! | ضياء الدين بلال

0

1-

من مقولات بروفسير عثمان البدري ، أستاذ الاقتصاد بجامعة الخرطوم ،والكاتب بهذه الصحيفة:عندما تخرُجُ من منزلِك؛ بالضرورةِ أنك تعرفُ إلى أين أنت ذاهبٌ؟ وما الذي تريدُ تحقيقَه من المشوار؟وقبلَ الخروجِ ستكونُ قد قمتَ بتحديد الوسيلةِ التي ستقودُك إلى ذلك المكان، إِنْ كانت سيارةً أو دراجةً أو أنك قررتَ السيرَ راجلاً.من المستحيلِ تحقيقُ نجاحٍ في أي عملٍ عامٍ أو خاصٍ دون وجودِ خطةٍ محكمة، بأهدافٍ محددة، ووسائلَ فاعلةٍ، وآلياتِ قياسٍ وتصحيح

-٢-

هل يستطيعُ أيُّ شخصٍ أو جهةٍ تحديدَ ملامحَ الخطةِ العامة لحكومة الفترة الانتقالية؟!ماذا استطاعت حكومةُ حمدوك تحقيقَه خلال أكثرَ من عامٍ من عمرِها التنفيذي ، أو على الأقل ما الذي ترغب في فعله؟!لا تعتمدُ إجابةٌ بلا أرقامٍ وحيثياتٍ منظورةٍ ومُعاشة، دعُونا من الأماني العذبة وأحلامِ العبور!كلُّ الأرقام والمعادلاتِ ليست في صالحِ حكومةِ حمدوك ، بل تعملُ ضدَّها وتشهدُ عليها.وشاعر العرب ينشدُ:ترْجُو النجاةَ ولمْ تسلُكْ مسَالِكَهاإنَّ السفينةَ لا تجْري عَلَى اليَبَسِ.

-٣-

لم يكنْ متوقعاً من الحكومةِ الانتقالية تجاوزُ كلُّ سلبياتِ العهدِ السابق.كان المرجوُّ والمأمولُ أن تُوقِف النَّزيف وتبطئُ عجلةَ التدهور، إن لم تنجحْ في ايقافه. والأهمَّ من ذلك أن تُخرِجَ البلادَ من مستنقعِ الفشلِ وتضعُها في مسارٍ جديدٍ يسمحُ بالتطورِ والتقدم.أخطرُ علةٍ ظلت تُعاني منها حكومةُ دكتور عبد الله حمدوك عدمُ وجودِ رؤيةٍ تمتد أبعدَ من أرْنبةِ الأنف.لا تُوجدُ رؤيةٌ للتعامل مع أيِّ قضيةٍ ولا إرادةٌ سياسيةٌ ناجزةٌ لتنفيذِ أي قرارٍ كبير، غيرَ قراراتِ الفصلِ والتعيين.المتابعُ لنشاطاتِ رئيس الوزراء في أجهزة الإعلامِ الرسميةِ وعلى صفحته في تويتر لن يجدَ غير قرارات الفصل والتعيين ومقابلة الناشطين والتعليقات الباردة والتعازي الحارة على أرواح بعضِ المُتوفَين.لا تجدُه مشغولاً بأزمةِ الخبزٍ ، ولا مكترثاً لتطاولِ صفوفِ الوقود، ولا مهموماً بنفاد الأدويةِ المُنقذة للحياة!

-٤-

دكتور عبد الله حمدوك لا يتعدَّى طبيعةَ كونه رجلاً محترماً ومهذباً يحمل كثيراً من الأماني الخيِّرة لوطنِه. حسب رأي الكثيرين ،ليس في خطابِه ما يضرِّس سامعيه ولا ما يُؤذي مُخالفيه، فهو نظيفُ القلبِ عفيفُ اللسانِ واليد.ولكن في المقابل لا يحمل أيَّ حلٍّ للأزماتِ الجاثِمة على صدرِ الشعب، ولا يمتلكُ إجابةً للتساؤلاتِ الحائرةِ في أذهان المواطنين. بطبيعة تكوينه الوظيفي :مشغولٌ بقضايا الجنْدرِ ومنْع الختانِ والتعايش الديني ،وتعزيزِ ألبوم صورِه مع كبارِ المسؤولين الغربيين.

-٥-

كتبنا له مراراً بألا يلقي بفائضِ ثقةٍ على الدول الغربية لحل المشاكل السودانية، هم ليسوا جمعياتٍ خيريةِ ولا رجالاتِ برٍّ وإحسان.حلول أزمات السودان تبدأ بالسودان لا من عواصم (البيضان)!حينما خرج أبي يزيد البسطامي من دياره يطلب الله، ناداه هاتف من السماء يقول له: “يا أبا يزيد إن إلهك الذي خرجت تبحث عنه قد تركته وراءك في بسطام”-٦-غالبُ قرارات دكتور حمدوك خاطئةٌ ،تفتقدُ الحسَّ السياسيَّ والوعيَ الاجتماعيَّ، لا يُدهشِك بفكرةٍ جديدة ولا يبهرُك بتصورٍ مُبدع.خُذْ مثلاً.. تعيينَه لوالي ولاية كسلا أحدثَ أزمةً، وإعفاؤهُ يرشِّح الأوضاعَ لكارِثة!قاموسُه السياسيُّ محدودٌ لا يتجاوز المحفوظاتِ الكلاسيكيةِ والأفكار المسطحة.هو في وادٍ وحاضنتُه السياسيةُ في وادٍ آخر .وما يُعقِّدُ الاوضاعَ أكثر تحوُّلُ الحاضنةِ الواحدةِ إلى حواضنَ متعددةٍ ومتشاكسة، كما ذكرَ وزيرُ المالية السابق دكتور إبراهيم البدري.

-٦-

عدمُ وجودِ الرؤية وضعفُ الإرادة السياسية وانخفاضُ مستوى الشعبية ؛ كلُّ ذلك جعلَ الحكومةَ في حالةِ شللٍ تام وعجزٍ كامل.الكلُّ يعلمُ علمَ اليقينِ أنَّ حمدوك ووزيرةَ ماليته عِزما على تنفيذِ رفعِ الدعم وزيادةِ سعرِ الدولارِ الحكومي.لكنهما لا يمتلكانِ القوةَ الكافيةَ لتنفيذِ ذلك، ولا المقدرةَ على الدفاعِ عن سياسةِ رفعِ الدعم.كما أن حاضنةَ- أو حواضنَ- حمدوك السياسيةِ تتعاملُ معه بانتهازيةٍ، تريد الامتيازات والمناصب دون تسديدِ تلك الفواتير من الرصيدِ السياسي.

-٧-

التردُّد في الإبقاءِ على الدعمِ أو رفعِه يضاعفُ المعاناةَ ويزيدُ البلاء.تسريباتُ رفعِ الدعمِ وحدَها كافيةٌ لزيادةِ الأسعار، وما إِنْ يصْدُرُ القرارُ بصورةٍ رسميةٍ إلا وترتفعُ الأسعار مرة أخرى .قراراتُ رفعِ الدعمِ تشبهُ العملياتِ الجراحية؛ لا يمكن إجراؤها بنجاحٍ عبرَ أيادٍ مرتجفةٍ وقلوبٍ وَجَلةِ وعيونٍ حائرة.وهي تُتخذُ بحكمةٍ وتروٍّ؛ تُنفذُ بعزمٍ وحسمٍ ومقدرةٍ على الدفاع عنها بمنطقٍ قويٍّ وشرحٍ مقنع.-أخيراً- في مساحةِ الغموضِ تتمددُ الظنونُ ويُبنى التقديرُ على أسوأ الاحتمالاتِ لا على أفضلِ الفُرص.وأهلُنا البسطاءُ يهمُسون في أُذنِ دكتورِ حمدوك اذا عزمت على أمر:

(امسكْ واقطعْ ما تعلم إيدك المهابا ، يا تبْقى ضُلْ يا شمسْ ما تبِقْ رقْرَاق).
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.